Lebanon News I ليبانون تابلويد : أخبار الساعة من لبنان والعالم!


المصارف وتجريم الدولة: إلى أين؟

أثار البيان الذي صدر عن جمعية المصارف جدلا من حيث خلفيته ودوافعه وتوقيته ومضمونه.

الأربعاء ٠٥ أكتوبر ٢٠٢٢

اخبار ليبانون تابلويد الآن عبر خدمة
اضغط هنا

 استعادت المصارف المبادرة أمس، ولم تعد خجولة ممّا ارتكبته من فظائع.

ها هي تُهاجم "الدولة" وتتّهمها بأفظع االارتكابات: سرقة مال الناس. هل الدولة غائبة وسائبة إلى هذا الحد؟ أين محاميها يهزّ العصا في وجه الأربعين حرامي؟ لماذا لا يردّ ويدافع  ويقدّم الدفوع؟

عمدت جمعيّة مصارف لبنان إلى اصدار بيان بمثابة خارطة طريق للأزمة المالية والنقدية ولأسبابها وتداعياتها وكيفيّة الخروج منها، مُبرِئَة القطاع المصرفي من أيّ خطأ أو تقصير أو مسؤوليّة. لا بل شنّت هجوماً مضاداً على عموم الدولة، محمّلة إيّاها التبعات، في وقت يجد أركان هذه الدولة أنفسهم في ملهى الترسيم والتعويم والتعديل والتأليف. في وقت لم يعد المواطن يسمع شيئاً عن تطوّر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي القائمة على خطّة الحكومة للاصلاح الاقتصادي.

لقد تطرّق البيان غامزاً إلى هذه المفاوضات، التي برأي الجمعيّة ستؤول إلى السقوط، إذا لم يُلبِّ لبنان شروطاً عديدة. وكأنّه يدعم بطريقة غير مباشرة خطة التعافي التي أعلنتها الهيئات الاقتصاديّة قبل شهر تقريباً. وكيف لا؟ أليس مالكو المصارف والمساهمون فيها هم صورة طبق الأصل إلى حدٍّ بعيد عن الهيئات؟ أليس جميع هؤلاء من يحمّل "الدولة" جريمة افلاس ذاتها بذاتها ويلقون عليها تهم الفساد والبيروقراطية و... ولقد زادوا اليوم شعاراً "الدولة والقطاع العام سرقوا أموال القطاع الخاص". 

في الحقيقة، مضحكٌ مبكٍ هذا التصنيف. كيف يسرق القطاع العام أموال الفطاع الخاص؟ ألم تعد المصارف تعتبر العاملين في القطاع العام بين جيش وقوى أمن وموظّفين في الوزارات والادارات والمؤسسات العامة ويبلغ عددهم مع المتقاعدين قرابة مليون شخص، ألا تعتبر جميع هؤلاء مودعين في المصارف؟ فهل يعقل أن يسرق الانسان ذاته؟  في النتيجة من هي الدولة؟ الدولة مثل الكنيسة والجامع، مؤلفة من مؤسسة ومن رعيّة إذا جاز التعبير.

لا توجد دولة من دون ناس. فإذا كانت الدولة سارقة كما وصفتها جمعية المصارف، فهذا يعني أن العاملين في القطاع العام هم السارقون. وإذا صحّ ذلك، بالتواطىء مع العاملين في القطاع الخاص، ومع أرباب القطاع الخاص.

الفساد مشترك ويقوم في شراكة متكاملة بين البعض في القطاع الخاص والبعض في القطاع العام. رجل أعمال بارز دخل إلى الجنّة الحكوميّة قبل عشر سنوات.

في أحد الاجتماعات مع ممثّلي قطاع انتاجي، شكا أعضاء الوفد من "الدولة" وتقصيرها وفسادها. فما كان من االوزير إلا أن ردّ:" من منكم لا يملك دفترين للحسابات ( في إشارة إلى التهرّب الضريبي )؟ 

هذا الكلام للتأكيد أن السرقة لا تتمّ من جانب واحد. هي شبيهة بلعبة الـ Ping pong  أو كالطنجرة وردّ غطاها.

التهم التي ساقتها المصارف ليست إلا حملة مبرمجة ومنسّقة ونظامية (systematique ) كما استخدمت الجمعية في بيانها، وذلك لرجم الدولة وكيانها أكثر فأكثر، بهدف اسقاطها. 

هذا البيان يُعدّ في السياسة تتمّة واضحة لمسار حركة 17 تشرين الأول 2019 حين أضربت المصارف وأقفلت أبوابها 15 يوماً، وطار الدولار. يصبّ أيضاً في خانة الأضرار التي لحقت بالبنى التحتية في زمن الاضرابات والتظاهرات وأعمال الشغب وحرق الدواليب واقتحام الوزارات والادارات العامة.

يلفت في البيان المؤلّف من ألف كلمة أيضاً، وهو يُعدّ طويلاً مقارنة مع بيانات الجمعيّة المعتادة، وضعُ المصارف ذاتَها في خندق واحد مع المودعين في وجه الدولة. هذه الجمعية التي نجحت في استقطاب رابطة الموظّفين العاملين في المصارف إلى جانبها، ودجّنتها وطوّعتها، تسعى اليوم إلى "جذب" المتعاملين إلى صفّها بالحيلة. لكن مهما كان من صكّ براءة للمصارف، لا يمكن لها أن تُظهر نفسها بريئة إلى حدّ تشكيلها خطاً دفاعياً عن حقوق المودعين. فرغم استعدادها وتملّقها المكشوف لاستمالة هذه الفئة التي أصبحت غالبيتها معدومة، فقد دافعت متباكية عن رؤوس أموال المساهمين. وكأنّها تساوي خسارة الأغنياء بالفقراء.

هذا البيان المُعدّ في المال والنقد والاقتصاد والسياسة والقانون يحتاج إلى خبراء في هذه المجالات لاشباعه درساً والردّ على بنوده، وتبيان الصحّ من الخطأ منه، والقاء الضوء على كلّ كلمة حقّ واردة في متنه يُراد بها باطل. في الأرقام، ذكر البيان عن سحب الدولة من مصرف لبنان 62.670 مليار دولار مستنداً إلى تصريح لحاكم مصرف لبنان. لكنّ البيان أغفل عن تسجيل الايداعات قبل 2019 أرقاماً قياسية تخطّت المئتي مليار دولار. فأين ذهبت؟ وكيف تبخّرت؟

في المحصلّة، لا يوجد فريق أو جهة أو حزب مسؤولاً يمفرده بالكامل عن الذي جرى. الطبقة السياسية والمصرفية والاقتصادية مسؤولة بدرجات متفاوتة. المصارف في طليعة المسؤولين وفي مقدّمتهم وتسبقهم بأشواط. واستمرارها بسياسة الاقفال كلّ فترة بذريعة الأمن وسلامة الموظّفين حجّة غير مقبولة على الاطلاق. كما أن تعاطيها مع الزبائن أقلّ ما يقال فيه بأنه غير لائق وغير محترم، والدليل تعاملها بـ "صيرفة" المزاجي.


أحدث مقاطع الفيديو
مشاهدة :45933 الجمعة ٢٦ / يناير / ٢٠٢٤
مشاهدة :42813 الجمعة ٢٦ / يونيو / ٢٠٢٤
مشاهدة :42368 الجمعة ٢٦ / يناير / ٢٠٢٤
معرض الصور