Lebanon News I ليبانون تابلويد : أخبار الساعة من لبنان والعالم!


رئاسةُ اتّحاد بلديّات الكورة: بين الكفاءةِ والطائفة... أين نقفُ اليوم؟

تتخذ معركة رئاسة اتحاد بلديات الكورة أبعادا عدة منها الطائفي.

الجمعة ٣٠ مايو ٢٠٢٥

اخبار ليبانون تابلويد الآن عبر خدمة
اضغط هنا

 جوزيه الشالوحي- حين يتكرّس الواقع بصمت، يصبح أقوى من النصوص. هكذا حال "العرف المذهبي" غير المكتوب، الذي بات يحكم رئاسة اتحاد بلديات الكورة منذ نشأته. لم يُدوَّن في مرسوم، ولم يُقرّ بقانون، لكنه عاش عقدين بلا منافسة. واليوم، يُطرح السؤال بصوت خافت أحيانًا، وبجرأة في الكواليس أحيانًا أخرى: هل آن أوان الكسر؟/ لكن قبل هذا السؤال، لا بد من العودة إلى الجذور، إلى حيث بدأ كل شيء.

في البداية... المرسوم

تأسس اتحاد بلديات الكورة رسميًا بموجب مرسوم حكومي صادر بتاريخ 3 نيسان 2003، بناءً على اقتراح وزير الداخلية والبلديات وموافقة مجلس الوزراء، واستنادًا إلى المرسوم الاشتراعي رقم 118 تاريخ 30 حزيران 1977 وتعديلاته. وقد نصّ المرسوم على إنشاء اتحاد يضمّ القرى والبلدات التالية:

فيع, دارشمزين, بتوراتيج, كفتون, كفرحزير, بطرام, قلحات, أميون, بدنايل, بزيزا, داربعشتار, كفرصارون, كفرعقا, رشدبين, برسا, المجدل, بترومين, عين عكرين, بكفتين, عفصديق, بصرما, كفرحاتا, أنفه, كوسبا.

كما تم تحديد مركز الاتحاد في بلدة أميون.

لاحقًا، انضمّ للاتحاد بلديات: بدبا، بشمزين، دده، اجد عبرين ،متريت، عابا، كفريا، بتعبوره، وبنهران، ليصبح عدد بلدات الإتحاد ٣٣ بلدة.

 مع العلم أنّ هناك ٤ بلديات ضمن قضاء الكورة خارج الإتحاد هم: زكرون، راسمسقا، كفرقاهل والنخلة.

كل هذه التفاصيل موثقة بحسب أرشيف اتحاد بلديات الكورة الرسمي.

 الاتفاق الثلاثي... والميلاد السياسي لعُرف

حين وُلد الاتحاد، تزامن ذلك مع وجود ثلاثة نواب يُمثّلون الكورة في البرلمان، وجميعهم من الطائفة الأرثوذكسية، تماشيًا مع ما ينصّ عليه اتفاق الطائف.

 هؤلاء النواب – وهم فريد مكاري، سليم سعادة، وفايز غصن – أجروا فيما بينهم تفاهمًا سياسيًا شفهيًا لضمان نوع من التوازن الطائفي والمذهبي غير المدوَّن، قضى بأن:

 تُمنح رئاسة الاتحاد لماروني.

 وتُعطى نيابة الرئاسة لسني.

 لم يُشترط أن يكون الرئيس أو النائب رئيس بلدية، إذ أن القانون يتيح لأي عضو بلدي في إحدى البلديات المنتسبة إلى الاتحاد أن يترشّح لهذا الموقع، ما دام منتخبًا ويمثّل بلدته رسميًا.

 هكذا، تحوّل هذا التفاهم السياسي إلى ما يُشبه العُرف الإداري الذي صمد لأكثر من عشرين عامًا.

 محطات الرئاسة والالتزام بالعرف

 يُظهر أرشيف اتحاد بلديات الكورة الرسمي التواريخ التالية:/

الدورة الأولى (2004 – 2010):

 الرئيس: قبلان عويط (ماروني – بلدية بزيزا).

 نائب الرئيس: الياس خوري (أرثوذكسي – بلدية بطرام).

هنا تم خرق العرف جزئيًا لجهة نيابة الرئاسة، إذ لم تُعطَ لسني.

الدورة الثانية (2010 – 2016):

 الرئيس: كريم بو كريم (ماروني –  بلدية دارشمزين).

 النائب: واصف الحسن (سنّي – بلدية بتوراتيج).

 الالتزام بالعُرف تم بدقة.

الدورة الثالثة (2016 – 2022 – مع التمديد إلى 2025):

 الرئيس: كريم بو كريم (أُعيد انتخابه).

 النائب: خالد الحسن (سنّي – بلدية بتوراتيج).

 في كانون الثاني 2019، انتُخِب ربيع الأيوبي (سنّي - بلدية دده) نائبًا للرئيس بعدما حُلَّ مجلس بلدية بتوراتيج.

 في شباط 2023، توفي الرئيس بو كريم، فانتقل المنصب بالوكالة إلى نائبه الأيوبي، وفقًا للأصول القانونية.

قبلان عويط... هل صنع "المذهب العُرف"؟

 يطرح البعض، همسًا، تساؤلًا دقيقًا:/

هل تحوّلت رئاسة الاتحاد إلى "موقع ماروني" عرفًا، فقط لأن الرجل الأول الذي شغله، قبلان عويط، كان شخصًا استثنائيًا على المستوى الأخلاقي والإنمائي؟

عويط لم يكن حزبياً - رغم صداقته بالوزير سليمان فرنجية - ولا طامحًا لأي مقعد نيابي أو سياسي. كان مارونيًا منفتحًا، مستقيمًا، خادمًا، وفاعل خير بصمت. جمع حوله الجميع، من دون استفزاز أو محسوبيات.

هكذا، ومن دون أن يدري، أعطى "الرئيس الماروني" صورةً إيجابية مترسّخة في الذاكرة البلدية الكورانية.

 ومن هنا، قد يُقال إن الطائفة لم تفرض نفسها على الموقع، بل كفاءة هذا الرجل جعلت من مارونيته عرفًا مقبولًا... وربما مفضّلًا.

الكفاءة والعُرف... بين الفكرة والواقع

 في ظل هذا الواقع، لا يمكن تجاهل ما يُقال – حتى لو في المجالس الضيّقة – عن الرغبة في التجديد والتغيير، وعن دعوات لتحكيم الكفاءة فوق كل شيء. لكن الحديث عن كفاءة "تُقصي العرف" يفتح الباب على نقاش أوسع، يتجاوز شخص الرئيس، ليطال التوازنات الدقيقة في القضاء، والخوف من إشعال حساسيات خفية في منطقة تعيش تنوعًا طائفيًا دقيقًا.

ففي حين يبدو ظاهر النقاش محصورًا بين "ماروني" و"غير ماروني"، إلا أن جوهره أعمق:

 هل نحسم موقعًا باسم الكفاءة فقط، أم نحمي الاستقرار بصيغ توافقية لا تزال تؤمن حدًا أدنى من التوازن؟

 هنا، لا إجابة حاسمة أو جاهزة.

 فالمعادلة دقيقة، والاحتمالات كثيرة... والموقف الذكي هو الذي يقرأ اللحظة بتعقيداتها لا بشعاراتها./ بين الكواليس السياسية وتوازنات الصمت

 لا يُقال علنًا، لكن يُهمَس في الأروقة السياسية، أن أي تغيير في العرف، قد يؤدي إلى بروز رئيس اتحاد من طائفة أخرى، قوي، فاعل، جامع، وقد يحظى بتأييد شعبي واسع.

وفي ضوء ذلك، قد يكون من مصلحة بعض نواب المنطقة – الذين جميعهم من الطائفة الأرثوذكسية – أن يبقى منصب رئاسة الاتحاد في عهدة شخصية مارونية، تماشيًا مع العرف، حتى لا يأتي رئيس أرثوذكسي يستثمر موقعه الإنمائي لخدمة الناس بشكل فعّال، مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسهمه سياسيًا في وجههم على المدى المتوسط أو البعيد، خصوصًا وأنه، بحكم موقعه، يمتلك منبرًا واسع التأثير ومفتاحًا مباشرًا للناس واحتياجاتهم.

لذلك، وإن بدا السجال حول الرئاسة ذا طابع إداري أو خدماتي، إلا أن خلفيته تحمل حسابات دقيقة ترتبط بالتوازنات السياسية الداخلية، وربما بالمستقبل الانتخابي أيضًا.

 الخلاصة: إذا كسرنا عرفًا... فلنكسر كل الأعراف

 صحيح أن الكفاءة لا تُناقَش، ولا شيء يجب أن يتقدّم عليها.

 لكن حين يُطرَح كسر عرف طائفي ما، من المهم أن لا نكتفي بإلغائه بمفرده، بل أن نُعيد النظر بجميع الأعراف والقوانين التي تُقسّم المناصب على أساس مذهبي في الدولة ككل.

 فلا يصح أن نطالب بالكفاءة هنا، ونتغاضى عن أعراف أخرى هناك.

 أما أن نكسر عرفًا مستقرًا، دون بديل توافقي يحفظ التوازن، فذلك قد يفتح الباب على تصدعات لا قدرة للاتحاد ولا للكورة على تحمّلها.

 فليكن النقاش هادئًا، عميقًا، بعيدًا عن الشعارات.

فالمنصب، في النهاية، ليس غاية... بل وسيلة لخدمة الكورة.

 وإذا وُجد من يخدمها فعلًا، فلن يَسأل الناس بعدها عن طائفته. 


أحدث مقاطع الفيديو
مشاهدة :55952 الأحد ٠١ / يناير / ٢٠٢٥
مشاهدة :52944 الأحد ٠١ / يونيو / ٢٠٢٥
مشاهدة :52081 الأحد ٠١ / يناير / ٢٠٢٥
معرض الصور