Lebanon News I ليبانون تابلويد : أخبار الساعة من لبنان والعالم!


جريدة النهار عن سمير الصايغ " وأنا الآخر": المرآة في نبوغ تصوفها

نشرت جريدة النهار مقالا لأنطوان سلامه عن كتاب سمير الصايغ الجديد.

الأربعاء ١٣ ديسمبر ٢٠٢٣

اخبار ليبانون تابلويد الآن عبر خدمة
اضغط هنا

تحت عنوان " وأنا الآخر : حوار بين الفنان والناقد " سمير الصايغ المرآة في نبوغ تصوفها الفني الشعري الفلسفي" جاء:

"أنطوان سلامه -اذا أردنا أن نعطي توصيفا لكتاب سمير الصايغ بتحرير محمود حيدر "وأنا الآخر: حوار بين الفنان والناقد"، فلن يكون الا " التطابق" الكلّي بين الكاتب والمكتوب. من يعرف سمير الصايغ ، بإطلالته وهواجسه وفكره وحواراته وإبداعه، يُدرك أنّ كتابه الجديد يمثّله الى حدّ التشابه الأمين بينه وبين مراياه.

نذكر " مراياه" لأنّ سمير الصايغ متعدّد ،يتفرّع في صياغاته الإبداعية، من البصري في لوحاته، الى التدفق التعبيري في كتاباته، الى التأملات، وفي حالاته كلّها يتعمّق في الخط العربي، يجيد تفكيك أسراره وجوهره التاريخي وجمالاته، يتمرّد عليه في تطويعه لما يراه فيه من أبعاد ذاتية. طوّر سمير الصايغ هذا الخط  فأعطاه نمطا لا يشبه أساليب الفنانين العراقيين والسوريين والخليجيين والمغربيين الذين اشتغلوا على التشابك والتداخل في الحروف، جاء سمير الصايغ ليصفّي الحرف في امتداده الأفقي وسكونه وفراغاته، بسطه في اللوحة في تدوير صوفيّ، وزاويا سابحة، وانتشار ساحر، فمن حقّه أن يبوح بخلفيات تعابيره ودوافعها، في الخط وتجريده، لأنّه رائد ومؤسس تيار. تطغى الخصوصيّة في شخصية سمير الصايغ موجات متلاحقة في كتابه الجديد، يواكبها محمود حيدر بقياسه اتجاه البوصلة السردية، كمن يلتقط خيوطا في الكواليس، ليحرّك مسرح الظلال.

كان يمكن أن يكون للكتاب مقدمة تفسّر، وهوامش تضيء، وهي حاجة لقارئ يجهل سمير الصايغ ويميل الى التعرّف اليه، كقامة من قامات الحداثة في لبنان والعالم العربي، خصوصا في الخط العربي الذي أعطاه بصمته من لمسته المعرفية والوجدانية .  مال الصايغ وحيدر، الى تقديم كتاب خاص، حواريّ الطابع بين سمير الصايغ الفنان وسمير الصايغ الناقد، في ثنائية واقعية، وتراكمية التجربة، فاتخذ كتاب " وأنا الآخر" منهجيته من حبكته الفائضة، لا تلتزم بإطار المذكّرات، ولا تبني سيرة ذاتية متكاملة، تُحدّد لحظة الابداع وما بعدها في النور، في حوارية ملفتة، في أن يكون الناقد أساسا متقدّما ، ينفعل معه الفنان ويلحق به، في  قراءاته وآرائه وسلطته، واستخراج المعاني من العمل الفني .

في هذا الكتاب الذي يسبح نصه ولوحاته في العراء، يقذف سمير الصايغ ذاته على الورق، بما تكتنزه من ثقافة وتجارب وممارسات فنية . يبدو وحيدا في ثنائية فيه، تتأرجح بين فنان وناقد. ومن خلال حواره الذاتي تبرز معرفته ومواقفه من المسائل الفنية، مثل التجريد والتوحيد والحداثة، والأسئلة ... من دون إسقاط المخاوف الكبرى، الفلسفية الطابع أو الصوّفية المنحى. وإذا كانت نصوصٌ في الكتاب، مقتطفة من مفكرين بارزين، مسلمين وآسيويين، فللدلالة الى المناخ الذي نما فيه سمير الصايغ ليستقل مفكرّا له خلاصاته، ورساما له حيثياته، تظهر هذه الخلاصات في كتابه الجديد، في حوارات، تتوغّل في حداثة الاقتضاب والتعبير المكثّف، والمشحون، من دون أن تفقد الوضوح مفتاحَ القارئ الى التعرّف الصحيح، والكاتب الى التعري الصادق.

في حوارات سمير الصايغ مع نفسه، تنوعات في ايقاعات الأسلوب، بين الشعري والسردي، بين التنغيم والتحديد. في تحديداته ما يشبه النص القاموسي، مثلا: "التجريد تجسيدُ ما لا يُرى...تجسيد الحركة" و"لأنّك من أهل التوحيد، تجمع أولا، ثم تفرّق"، ويختصر الصايغ تجربته في تجريد الخطّ العربي بإيجاز السهل الممتنع كأن يشير الى تجربته الكاملة في التعبير التشكيلي بعبارة: "هكذا سيبقى الخطّ جسرا بين غيب جديد ووجود جديد"، في هذا الفصل بعنوان "تجليات خارج اللغة" يطرح سمير الصايغ، لمحاً، ضرورة الاجتهاد في تجديد كلمات مثل "الوحي والغيب والوجود" فيفتح مزدوجين لجدل تاريخي خطير.

اذاً، يتنوّع الكتاب، بلسان سمير الصايغ، ليتقاطع عند التجريد كممارسة فنية ، في لوحة تشكيلية، وفي المدى التعبيري ككل. التجريد هاجسه كمدخل الى الحداثة والتجديد، هذا ما يطرحه الصايغ في حواريته المنغلقة فإن اتسعت لآخرين مختلفين انفجر الجدل بين الأصولي والتحرري، يضبط الصايغ إيقاعاته المُلتهبة، في حوار بين فنان وناقد، وربما كان الصايغ من السبّاقين والمتفردين الذين أعطوا " الناقد" هذه الأهمية التي تضاهي الفنان، ففي فصل "أدوار" يهطلُ النص الحواري كرذاذ مطر، على الناقد ومعاناته وشكوكه في تقييمه، ليضاهي قلق الفنان يتمخّض ليقوده الطلَّق الى ولادة. في هذا الفصل ينفتح الحوار بين الناقد والفنان على علاقة ملتبسة بينهما ، يشرّحها سمير الصايغ بمقتطفات جريئة في مقاربته تحديدات شائعة عن " الناقد فنانٌ فاشل...والفنان ناقدٌ ناجح"...يفصّل الصايغ تجربته الأخلاقية في النقد، بتجاذباتها وصراعاتها الذاتية، بما يضاهي الضوء الساطع الذي يسلّطه على تجربته الفنية في تجريد الخطّ العربي. ويجمع فصل " الآخر" حزنين في كآبة واحدة، يلتقي الفنان والناقد في خسارة ما يسميه الصايغ " روح التواصل، روح الحوار" فيتعمّق في "العزلة" في نص جميل، لمّاع، ومُشبع:" تشعر أنّ الذي تتواصل معه لم يعد موجودا، أو أنّ صوتك لا يصل اليه، وأن بصرك لا يحيطه . أن تشعر أنّك أنت أيضا لم تعد طرفا في المقابل".

هذه الخلاصة الإنسانية ليست وحيدة في الكتاب، هو أصلا كتاب خلاصات تسمح للقارئ أن يقرأه في مراحل ، لما في فصوله من كثافة في التعبير الشعري والصوفي والتاريخي والتقني، والقدرات على الإدهاش حين يتصاعد التهيؤ للغياب الى درجات عالية من الصراع بين الحضور والتفكك. كتاب "وأنا الآخر" حالة خاصة، لا تُقارن ب"اعترافات" أوغسطينوس أو روسو، ولا تقارِبُ محاولات الفنان العراقي رافع الناصري في كتابة تجربته الفنية المعاصرة (الغرافيك)، ولم يلامس الصايغ وحيدر حوارية أدونيس مع الفنان السوري فاتح المدرس، ولم يعكس مدرسة أو جماعة فنية "تحررية" كما فعل الرسام المصري رمسيس يونان في كتابه "غاية الرسم العصري"...كتاب "وأنا الآخر" حوارٌ بصوتين لسمير الصايغ الفنان والناقد، يُحاكي عشاق الأدب والشعر والرسم والنقد والصوفية وفهم المعنى والجماليات والتبسيط الهندسي، يقدّم الصايغ بنفسه، تجربته في النقد والابداع، وفي تعاطيه مع الخطّ العربي بشكل مغاير وطليعي. تختزن الحوارية الطويلة في الكتاب عناصر إنسانية وثقافية راقية وواقعية.

قد يكون "وأنا الآخر" قصة تدور بين شخصين، أو نصّ مسرحيّ بين ممثلين، وقد يكون تعبيرٌ بين ساحلين، فتنهمر بين ضفتين، تأملاتٌ ونظريات ومقاربات فلسفية وتجارب ونجاحات وخيبات... اتسعّت لشخص يحمل في سيرته الغنى الشفاف الذي لا يُختصر. 

              


أحدث مقاطع الفيديو
مشاهدة :54178 الأربعاء ٢٥ / يناير / ٢٠٢٤
مشاهدة :51114 الأربعاء ٢٥ / يونيو / ٢٠٢٤
مشاهدة :50469 الأربعاء ٢٥ / يناير / ٢٠٢٤