Lebanon News I ليبانون تابلويد : أخبار الساعة من لبنان والعالم!


التقرير الاقتصادي الفصلي لبنك "عوده"

صدر التقرير الاقتصادي الجديد لبنك "عوده" بعنوان "هل بدأ النهوض من القاع، مع احتمال انعطافة اقتصادية؟"

الأربعاء ٢٤ يناير ٢٠٢٤

اخبار ليبانون تابلويد الآن عبر خدمة
اضغط هنا

جاء في تقرير بنك "عوده":

"العام 2023 الذي تأثر سلباً بالحرب الإسرائيلية خلال الفصل الأخير، هو عام منعدم النمو، رغم أنّ الاقتصاد كان قد بدأ بالتحسن قبيل الحرب. إن القطاع السياحي، والذي شكّل محرك النمو خلال الأشهر التسعة الأولى من العام، تلقى نكسة منذ تشرين الأول في ظل التداعيات السلبية للحرب على توافد السياح والمغتربين اللبنانيين إلى أرض الوطن. إذ يقدّر عدد الوافدين أن يكون قد تقلص بنسبة 18% في الفصل الأخير من العام 2023 بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام السابق. 

جاءت مؤشرات القطاع الحقيقي متفاوتة خلال العام 2023، كانعكاس لأداء الاقتصاد عموماً.

من بين مؤشرات القطاع الحقيقي التي سجّلت نمواً إيجابياً في العام 2023، نذكر عدد السياح (+17.1%) في الأشهر الإحدى عشر الأولى من العام، وعدد المسافرين عبر مطار بيروت (+12.1%) في كامل العام 2023، وتسليمات الإسمنت (+10.7%) في الأشهر الستة الأولى من العام، وحجم البضائع في مرفأ بيروت (+6.5%) في الأشهر العشرة الأولى من العام. ومن بين المؤشرات التي سجّلت انكماشاً في العام 2023، نذكر الشيكات المتقاصة (-66.3%) في الأشهر الإحدى عشر الأولى من العام 2023، وتراخيص البناء (-40.8%) في كامل العام 2023، والصادرات (-24.0%) في الأشهر السبعة الأولى من العام، وإنتاج الكهرباء (-13.9%) في الأشهر الستة الأولى من العام، والواردات (-9.3%) في الأشهر السبعة الأولى من العام. على صعيد الوضع النقدي، فيما حافظت الليرة اللبنانية على استقرارٍ نسبي منذ آذار الفائت، ظل التضخّم يفوق الـ100%، مع نشوء تضخم بالدولار الأميركي تلازماً مع استقرار العملة.

هذا ومن المقدّر أن يكون التضخم قد بلغ 204% في كانون الأول من العام 2023 بالمقارنة مع الشهر نفسه من العام السابق، ما يؤدي إلى تضخم تراكمي بحوالي 5000% منذ اندلاع الأزمة في تشرين الأول 2019. وكان اللافت خلال الأشهر القليلة الماضية ظهور تضخم متراكم بالدولار الأميركي بنسبة 47% في العام 2023. وبالنظر إلى السياسة النقدية، يسعى مصرف لبنان للحفاظ على ما تبقى من احتياطياته من النقد الأجنبي والتي نمت بمقدار 0.7 مليار دولار منذ نهاية تموز الفائت. أما على صعيد القطاع المالي، فقد أقرت الحكومة مشروع موازنة العام 2024 ضمن مهلها الدستورية وأحالتها للمجلس النيابي للمصادقة.

ولحظت الموازنة نفقات تقدر بنحو 295.1 ألف مليار ليرة (ما يعادل 3.3 مليار دولار) مقابل إيرادات بقيمة 277.9 ألف مليار ليرة (ما يعادل 3.1 مليار دولار)، ما نتج عنها عجزا مالياً يقدّر بنحو 17.2 ألف مليار ليرة (ما يعادل 191 مليون دولار).

لقد باشر مجلس الوزراء دراسة مشروع موازنة العام 2024 الذي كانت وزارة المالية قد أحالته بداية أيلول وأقـرّه بسرعة ضمن المهل الدستورية، مسجّلاً بذلك سابقة منذ العام 2002. لقد تم إحالة مشروع الموازنة الى مجلس النواب قبل 15 يوماً من انعقاد العقد التشريعي الذي يبدأ في منتصف شهر تشرين الأول، ما يجيز وفق المادة 86 من الدستور إصدار الموازنة بمرسوم بدلاً من قانون في حال لم يتمكن مجلس النواب من اقراراها طيلة الفترة المخصصة لدرسها ومناقشتها.

أما على صعيد القطاع المصرفي، فإنّ المصارف تعتمد في الوقت الراهن ثلاث ميزانيات منفصلة: ميزانية بالليرة، وميزانية بالدولار المحلي، وميزانية بالدولار النقدي. وكان اللافت خلال الأشهر القليلة الماضية ارتفاع الودائع بالدولار النقدي والتي تقدّر بنحو 3.5 مليار دولار اليوم مقابل 2 مليار دولار منذ عام. من هنا، فإن عودة النشاط المصرفي إلى طبيعته وتعزيز الظروف التشغيلية يستدعي تبني السلطات خطة تعافٍ شاملة والتي من شأنها أن تقلص الفجوة المالية الناجمة عن الاختلالات التي تسببت بها الدولة ومصرف لبنان بشكل عام.

وفي ما يخص أسواق الرساميل اللبنانية، واصلت سوق الأسهم مسلكها التصاعدي بعد سنتين متتاليتين من الارتفاعات الملحوظة في الأسعار. إذ قفز مؤشر الأسعار بنسبة 41.2% في العام 2023، بعد نمو نسبته 37.2% في العام 2022، بدفع من زيادات في أسعار أسهم "سوليدير". ويأتي ارتفاع الأسعار هذا العام في ظل زيادة سنوية في أحجام التداول بنسبة 32.1% لتبلغ زهاء 581 مليون دولار في العام 2023. 

في ما يلي تحليل مفصّل لتطورات القطاع الحقيقي والقطاع الخارجي والقطاعين العام والمالي في العام 2023، في حين تتطرّق الملاحظات الختامية لآفاق لبنان في العام 2024 في ظل السيناريوات المختلفة المرتقبة.

السِّمات الظرفيّة 

 القطاع الاقتصادي الحقيقي    

الزراعة والصناعة القطاعان الأول والثاني تحت ضغط تداعيات الحرب والأزمة الإقتصادية المتمادية  ظلّ أداء قطاعَيْ الزراعة والصناعة محدودة مقيّداً في العام 2023، في ظلّ التوتّرات المتزايدة على الحدود اللبنانية الجنوبية، والأزمة الاقتصادية المستمرّة ومضاعفات هبوط سعر صرف الليرة اللبنانية.  بوجه خاص، تكبّد القطاع الزراعي في جنوب لبنان خسائر كبيرة خلال الفصل الرابع من العام 2023، وهو مصدر أساسي للرزق والدخل في المنطقة، حسب تقرير حديث صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. لقد اندلع النزاع في فترة حسّاسة (الحصاد وتهيئة الأراضي للموسم التالي). فتعرّضت الأراضي الزراعية لأضرار جسيمة، بما في ذلك التدهور المادي والتلوّث الكيميائي والتلوّث من مخلّفات المتفجّرات، ما أسفر عن فقدان خصوبة التربة. وقد أدّى استخدام الأسمدة الفوسفورية إلى تلوّث المحاصيل والمياه السطحية والمياه الجوفية، ما يشكّل خطراً على الثروة الحيوانية وصحة الإنسان. إضافةً إلى ذلك، طالت الحرائق مناطق زراعية مختلفة، بينها بساتين الزيتون والحمضيّات ومزارع الموز والمراعي.  أما المحاصيل الرئيسية المتضرّرة فهي الزيتون (وبالتالي إنتاج زيت الزيتون)، والخرّوب، والحبوب وغيرها من المحاصيل الشتوية. وبالإضافة إلى الخسائر في الإنتاج، احترقت آلاف الأشجار (على سبيل المثال، أحرقت القنابل الفوسفورية 47 ألف شجرة زيتون).

ويتسبّب النزاع أيضاً في خسائر كبيرة في قطاعات الثروة الحيوانية والدواجن وتربية الأحياء المائية (الأسماك، المحار، الطحالب، الخ.)، وفقاً لتقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وينضاف هذا الوضع إلى التحدّيات المستمرّة التي يواجهها القطاع الزراعي اللبناني، الذي يعاني مشاكل مثل الاستخدام غير الفعّال للمياه، وعدم كفاية البنى التحتية، ومحدوديّة الحصول على التمويل. الى ذلك، فقد أثّـر ارتفاع تكاليف الإنتاج الناجم عن ارتفاع أسعار المُدخلات على قدرة المزارعين على إنتاج المحاصيل وتربية الماشية. ومن جرّاء ذلك، فإن انخفاض الإنتاجية، وقلّة الطرق الزراعية والمعدّات الأساسية، وتردّي أنظمة الريّ تشكّل كلّها عوامل تعيق نمو القطاع، حسب المركز اللبناني للدراسات. علاوةً على ذلك، يعتمد قسم كبير من القوى العاملة الزراعية اللبنانية على العمالة الموسمية، القادمة بصورة خاصة من البلدان المجاورة. والحال أن هذا الاعتماد القويّ على العمالة الخارجية، غير الماهرة بمعظمها، والذي تلازم مع ازدياد نزوح الشباب اللبناني من قراهم، قد أعاق إدخال التقنيات الحديثة وأفضل الممارسات الزراعية التي يمكن أن تقدّمها القوى العاملة المؤهَّلة، وفقاً للمصدر عينه.

هذا وتحاول وزارة الزراعة اتّخاذ التدابير اللازمة لمواجهة هذه التحدّيات. وبالفعل، تمّ توقيع ثلاث اتفاقيات بهدف توسيع المساحات المزروعة بالقمح الناعم إلى 1200 فدّان، على أن يجري توزيعها على المزارعين عام 2024. من جهة أخرى، ووفقاً للخطة الوطنية لزراعة القمح في لبنان، التي أطلقتها وزارة الزراعة في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، بالشراكة مع منظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة والمنظّمة العربية للتنمية الزراعية، واصلت وزارة الزراعة تلقّي طلبات المزارعين حتى 7 كانون الأول/ديسمبر 2023 للحصول على بذور القمح الطريّ الصالح لصناعة الخبز. وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الزراعة ومنظمة الفاو وقّعتا في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 اتفاقية بشأن مشروع مموَّل من الحكومة الكندية بقيمة تناهز 14.8 مليون دولار.

ويهدف المشروع إلى تحسين أداء سلاسل قيمة الفواكه والخضار وزيادة استخدام الممارسات الزراعية الجيّدة والفعّالة. ومن المتوقّع أن يزيد المشروع مناعة سلاسل قيمة الفواكه والخضار إزاء الصدمات المناخية والاقتصادية، وبالتالي تعزيز الأمن الغذائي في لبنان. إضافةً إلى ذلك، سوف تتمّ مساعدة منتجي وتجار المُدخلات على تطوير استراتيجيّاتهم وأنشطتهم التجارية واعتماد التقنيات الحديثة. كما سيجري تمكين المزارعين من تنسيق استراتيجيّاتهم وأنشطتهم، من أجل تنفيذ خطط اقتصادية واجتماعية وبيئية مستدامة. في موازاة ذلك، وبتمويل من الحكومة الكندية ومن خلال برنامج الأمم المتحدة لتنمية القطاع الإنتاجي، نفّذت منظّمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو) مشروعاً يدعم حوالي 406 مزارعين في شمال لبنان ومنطقة عكار.

وسلّمت الفاو 65 مزارعاً شهادات في الإدارة المتكاملة للمزروعات، بالإضافة إلى شهادات في الزراعة العضوية المطابقة لمواصفات الاتحاد الأوروبي. ومن شأن هذه الشهادات أن تتيح للمزارعين الوصول إلى أسواق جديدة وتوزيع منتجاتهم. كذلك، استفاد المزارعون من تدريب فنّي ومن توزيع كميّات من المُدخلات وتأهيلهم لتطبيق الممارسات الزراعية الجيّدة في إطار البرنامج، ما من شأنه أن يحسّن مهاراتهم على صعيدَيْ الإنتاج والإنتاجية. وعلى صعيد القطاع الصناعي، أدّى القتال على حدود لبنان الجنوبية إلى تدمير الممتلكات والبنى التحتية، كما الى تعطيل الخدمات الاقتصادية والاجتماعية، ما يُرجَّح بأن ذلك قد أثّر سلباً على النشاط الصناعي. إلى ذلك، لا يزال الصناعيّون اللبنانيّون يواجهون مشكلات في سلاسل العرض، ما يولّد نقصاً في السلع الاستهلاكية ويؤدي إلى تضخّم من ناحية العرض وارتفاع في كلفة المواد الأولية. وقد تفاقم هذا الوضع جرّاء ضعف بيئة الأعمال، ذاك أن لبنان يعاني من استشراء الفساد، ومن تعقّد المعاملات وبطء الروتين الإداري، ومن وهن البنى التحتية ومن نقص في الخدمات الأساسيّة، بما فيها الكهرباء.

   قطاع البناء:

تأثــر قطاع البناء بشدّة بالوضع الإقتصادي العام اهتزّ قطاع البناء في لبنان بفعل الصدمات الاقتصادية التي شهدتها البلاد منذ بداية الأزمة. وبصورة عامة، عكس القطاع الوضع الاقتصادي العام. فمن ناحية الطلب، أدّت الدولرة الكاملة للسوق إلى جعل شراء العقارات والأراضي باهظ الكلفة بالنسبة الى غالبية المقيمين، مما وجه ضربة للطلب المحلّي. ومن ناحية العرض، تركّز الأداء بشكل أساسي على استكمال المشاريع القديمة وصيانتها منذ بداية الأزمة.

وبالتفصيل، سجّلت الليرة اللبنانية استقراراً نسبياً في العام 2023 كما تراجع التضخم نسبياً، إلاّ أن زيادة الدخل لم يتمّ استدراكها بعد، ما أدّى إلى تباطؤ حركة الإنفاق. وفي عام 2023، من المقدّر أن يكون الإنفاق الأسري الحقيقي قد ارتفع بما يقارب 1.2% عام 2023، وأن يستمرّ منحاه التصاعدي عام 2024 ليصل إلى 2.0%.

وبحسب تقديرات وكالة FitchSolutions، فإن هذا التطور عائد إلى انخفاض مستويات التضخم، والى التدفقات اللافتة للعاملين في الخارج، وزيادة رواتب العاملين في القطاع العام، والى الاستقرار النسبي للعملة، من بين عوامل أخرى. غير أن زيادة الدخل والإنفاق ستفيد في المقام الأول شراء السلع والخدمات الأساسية، لأنّ القوة الشرائية لا تزال ضعيفة والتوجّهات الإنفاقية مركّزة على الضرورات في أوقات الأزمة. وقد أدّى هذا الوضع إلى تباطؤ كبير في شراء العقارات من قبل المقيمين، لعدم توافر الحجم اللازم من السيولة بالدولار الطازج. وفي ما يتعلّق بالطلب الخارجي على العقارات في لبنان، فقد ازداد ميل المغتربين والأجانب الى شراء العقارات قبل الفصل الرابع من العام 2023. ويفسَّر ذلك بأن أسعار العقارات في البلاد كانت رخيصة نسبياً بالنسبة الى أولئك الذين يعيشون في الخارج ويتمتّعون بمستويات عالية من الدخل ولديهم آفاق واعدة للقيمة المستقبلية مع استمرار استقرار اقتصاد البلاد. ولكن، مع بداية الفصل الرابع ونشوب الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، من المقدّر أن يكون عدم الاستقرار قد انعكس سلباً على الاستثمارات في لبنان، بما في ذلك الاستثمار العقاري. يُضاف إلى ذلك أن أساسيّات لبنان الهزيلة وضعف دولة القانون والمأزق السياسي الراهن والفساد والبنية الاقتصادية الهشّة ظلّت تؤثّـر على توجّهات المستثمرين. لذا، يُعتبر لبنان حالياً وجهة استثمارية محفوفة بالمخاطر، بحيث يفضّل الأجانب خيارات أكثر أماناً في المنطقة.

ومن ناحية العرض، شهدت تسليمات الأسمنت، التي هي مؤشّر متزامن مع حركة البناء، ازدياداً بنسبة 10.7% في الأشهر الستة الأولى من عام 2023 مقارنةً بالأشهر الستة الأولى من عام 2022. وبلغت كمّيات الأسمنت المسلّمة حوالي 1032.6 ألف طن في النصف الأول من العام 2023، مقابل 932.7 ألف طن في النصف الأول من العام 2022، ما يعكس تحسّن النشاط قياساً على السنة السابقة. وتأتي هذه الزيادة في أعقاب زيادة بنسبة 13.8% بين الأشهر الستة الأولى من العام 2022 والفترة ذاتها من العام 2021، حيث بلغت الأرقام 819.6 ألف طن في النصف الأول من 2021. ويدلّ ذلك على ميل الى التحسّن في هذا العنصر من عناصر حركة البناء في لبنان، كما جاء في نشرة مصرف لبنان. مع ذلك، فإن هذا الميل الى التحسّن في تسليمات الأسمنت لا يعكس زيادة في بناء مشاريع جديدة، بل إن الدافع الرئيسي لاستئناف تسليم كميّات الأسمنت هو تموين شركات البناء التي باعت شققاً قبل الأزمة.

الى ذلك، تفيد بيانات نقابة المهندسين في بيروت أن مساحات رخص البناء انخفضت عام 2023 بنسبة 40.7% مقارنةً بأرقام العام السابق بحيث تراجعت هذه المساحات عام 2023 إلى 4403444 متراً مربّعاً، مقابل 7431626 متراً مربّعاً عام 2022. ويُظهر ذلك تباطؤاً كبيراً في حركة البناء عقب مسار تصاعدي بين عامي 2020 و2022، حيث بلغ إجمالي النمو 160.5% خلال هذه الفترة.

وبالتفصيل، إذا تفحّصنا التوزّع المناطقي لرخص البناء في العام 2023، نجد أن جبل لبنان يستأثر بحصة الأسد (34.1% من الجموع و1500404 متراً مربّعاً، يليه لبنان الجنوبي والنبطية (30.9% و1359297 متراً مربّعاً ثم 18.5% و813571 متراً مربّعاً على التوالي). وتأتي منطقة البقاع في المركز الرابع (12.4% و545684 متراً مربّعاً) فيما بلغت حصة منطقة بيروت 3.3% من إجمالي هذه الرخص (146261 متراً مربّعاً)، تلاها لبنان الشمالي الذي نال حصة هامشية لا تتعدّى 0.9% (38227 متراً مربّعاً). وتجدر الإشارة إلى أن تراخيص البناء تُعدّ مؤشّراً اقتصادياً على حركة البناء القادمة في السوق العقاري. وبالتالي، فإن ذلك يعكس انخفاض حجم العرض العقاري المقبل في العام 2023 بسبب دولرة السوق. 

وتوازياً، شهد الفصل الرابع من العام 2023 تطورات ملحوظة في القطاع العقاري في لبنان. أولاً، إعادة فتح بعض دوائر السجلّ العقاري من قبل وزارة المالية في مناطق جبل لبنان: جبيل وكسروان والمتن وبعبدا وعاليه والشوف. وتهدف عملية إعادة الفتح هذه إلى تدبير شؤون المواطنين المتعلّقة بالسجل العقاري. وقد تمّ نقل بعض موظفي المديرية العامة لوزارة المالية إلى المديرية العامة للشؤون العقارية من أجل مساعدة 32 موظفاً في إدارة السجلاّت. ثانياً، قرار البرلمان بتحرير عقود الإيجار القديمة للعقارات غير السكنية من القيود التي كان قد فرضها قانون 1963. ويحدّد القانون الجديد فترة الإيجار بأربع سنوات يرتفع خلالها بدل الإيجار تدريجياً.

كما يحدّد بدل الإيجار السنوي بنسبة 8% من قيمة العقار المستأجَر، مع إلزام المستأجر بدفع 25% من هذا البدل في السنة الأولى، و50% في السنة الثانية وكامل البدل في السنتين الثالثة والرابعة. وعليه، إذا كانت قيمة العقار المؤجَّر 100000 دولار، يكون إيجاره السنوي 8000 دولار. يدفع المستأجر 2000 دولار في السنة الأولى، و4000 دولار في السنة الثانية، و8000 دولار في كل من السنتين الثالثة والرابعة.

وقد أثارت هذه الخطوة خلافاً، إذ اعتبر المستأجرون أن نسبة 8٪ مرتفعة للغاية، ولكن من المتوقّع أن يؤدّي هذا القانون إلى تحرير بعض العقارات المعروضة في السوق مع انتهاء مدة العقود، ما سيفضي إلى زيادة حجم التأجير العقاري أو انخفاض أسعار الإيجارات. وتجدر الإشارة إلى أن العقارات غير السكنية هي تلك التي يتمّ تأجيرها لمؤسساتٍ تجارية أو صناعية أو لأفرادٍ يرغبون في استخدامها لأغراض غير سكنية. وفي ما يتعلّق بالمستقبل، ثمّة مخاطر وفرص تلوح في الأفق. فعلى صعيد الفرص المستقبليّة التي قد تُتاح لقطاعَيْ العقارات والبناء في لبنان، من المرجّح أن يؤدّي انتهاء المعارك على الحدود الجنوبية إلى مرحلة إعادة إعمار.

ومن المؤكَّد أن هذه المرحلة ستنشّط حركة البناء في المناطق المتضرّرة. علاوةً على ذلك، إذا تمّ التوصّل إلى اتفاق يضمن الاستقرار على الحدود لأجَل طويل، فإن الطلب على العقارات في المناطق التي سيتمّ تجديدها وإعادة إعمارها سيزداد لأن الأسعار الأولية ستكون رخيصة، والاستقرار سوف يجذب الاستثمار الأجنبي. وعلى المديَيْن القصير والمتوسط، عندما يعاود الاستهلاك وتيرته الطبيعية، سوف تُتاح الفرصة مجدداً لانتعاش قطاع البيع بالتجزئة في لبنان، والذي سيشمل الطلب وبناء مساحات مكتبيّة للبيع بالتجزئة. أما على صعيد المخاطر، فإن أجواء المراوحة على المستوى السياسي في لبنان إضافةً الى التوتّرات الحدودية تخيّم على الآفاق المستقبلية للقطاع. وإذا لم تتمّ معالجة هذه المخاطر ولم تُتّخذ إجراءات استباقية، فسوف يستمرّ قطاعا البناء والعقارات في التآكل لأن توجّه الأجانب سيتحوّل نحو خيارات أخرى، ولأن القدرة الشرائية المحلّية قاصرة عن تلبية متطلّبات الأسعار لشراء العقارات بشكل عام.

التجارة والخدمات:

الحرب الإسرائيلية تلجم نهوض القطاع الثالث كان القطاع الثالث اللبناني يسير على طريق نهوض مستقر نسبياً خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2023. غير أن هذا الاتجاه تباطأ منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي مع بدء الحرب بين إسرائيل وحماس ونشوب القتال على حدود لبنان الجنوبية. وقد حصل هذا التباطؤ عندما نصح عدد من البلدان رعاياه بعدم السفر إلى لبنان، ما أدّى إلى انحسار تدفّق الأجانب. إضافة إلى ذلك، دفعت المخاوف الأمنية إلى توقف النشاط، مع التركيز على تعويض مخاطر اتّساع نطاق الحرب بدلاً من النمو. وعلى صعيد أداء مطار بيروت الدولي، ارتفع إجمالي عدد الركاب بنسبة 12.1% عام 2023 مقارنةً بعام 2022، ليصل إلى 7094074 مسافراً عام 2023 مقابل 6329747 عام 2022، كما ارتفع عدد الرحلات بنسبة 9.0% عام 2023 مقارنة مع 2022. وفي الوقت نفسه، انخفض حجم البضائع المشحونة والمفرغة في المطار بنسبة 1.3% خلال الفترة المذكورة.  وارتفع عدد الركاب القادمين بنسبة 11.5% ليصل إلى 3477466 مسافراً في العام 2023، مقابل 3119404 مسافراً في العام 2022. كما وصل عدد الركاب المغادرين من مطار بيروت الدولي في العام 2023 إلى 3616608 مسافراً، مسجّلاً زيادة نسبتها 12.7%، مقابل 3210343 مسافراً مغادراً في العام الذي سبقه. توازياً، ارتفعت عمليات الهبوط والإقلاع بنسبة 9.0% في العام 2023، حيث هبطت 28600 طائرة وأقلعت 28606 طائرات خلال هذا العام. كذلك، وصل عدد الرحلات القادمة والمغادرة عبر مطار بيروت الدولي في العام 2023 الى 57206 رحلات، مسجّلاً زيادةً نسبتُها 9.0%، مقابل 52495 رحلة في العام 2022. ولدى التدقيق في نسبة استعادة نشاط المسافرين الوافدين عبر مطار بيروت الدولي بين العام 2023 والعام 2019، يتبيّن لنا أن معدل استعادة حركة الوصول قياساً على مستويات ما قبل الأزمة وما قبل جائحة كوفيد، بلغ 81.2%.

مع أن هذا الرقم يُظهر تباطؤاً بالمقارنة مع معدل استعادة حركة المسافرين الوافدين في الأشهر التسعة الأولى من العام 2023 (82.2%)، إلاّ أنه تحسّن بالمقارنة مع نسبة الإستعادة المسجّلة في تشرين الثاني/نوفمبر(80.5%) بسبب موسم العطل. وفي التفاصيل، يتبيّن أن فترة أعياد نهاية سنة 2023، التي تمتدّ طوال شهر كانون الأول/ديسمبر، سجّلت انتعاشاً طفيفاً للنشاط بعد التراجع الملاحَظ في شهرَيْ تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر. ويرجع ذلك أساساً إلى تدفّق المغتربين الذين يرغبون في تمضية عيدي الميلاد ورأس السنة مع عائلاتهم. في المحصّلة، يمكن القول أن موسم الأعياد في نهاية العام 2023 كان على العموم أقلّ نجاحاً منه في العام السابق، لكنه أمدّ اقتصاد البلاد بدفعٍ قوي. في موازاة ذلك، تفيد إحصاءات وزارة السياحة أن عدد السيّاح القادمين الى لبنان بلغ 1566368 سائحاً في الأشهر الأحد عشر الأولى من العام 2023. وينمّ هذا الرقم على ازدياد التدفّق السياحي بنسبة 17.1% مقابل مقارنةً مع 1337515 سائحاً وافداً في الفترة ذاتها من العام 2022.

ومن الواضح أن تدفّق السيّاح الى البلاد في السنة الماضية هو الأكبر منذ العام 2019. ولكن، منذ اندلاع المعارك على حدودنا الجنوبية، اتّخذ تدفّق الأجانب الى لبنان منحىً سلبياً. ولدى التدقيق في توزّع السيّاح الوافدين حسب الجنسيّة خلال الأشهر الأحد عشر الأولى من العام 2023، نجد أن الأوروبيّين هم الأكثر عدداً إذ بلغت نسبتهم 41.0% (642562) من مجموع السيّاح الوافدين إلى لبنان. وتأتي الدول العربية وأميركا في المركزين الثاني والثالث، بحيث بلغت حصة الأولى 25.5% (399773) وحصة الثانية 20.5% (320937) من إجمالي عدد السائحين الوافدين خلال هذه الفترة. تليها آسيا وأوقيانيا وأفريقيا: 4.9% و4.5% و3.6% على التوالي.

وعلى مستوى القطاع الفندقي، تأثّرت الفنادق بشدّة بضعف أداء السياحة.

ففي تشرين الأول 2023، بلغت نسبة إشغال الفنادق من فئتي 4 و5 نجوم في لبنان 31.8%، بانخفاض نسبتُه 9.2 نقاط مئوية مقارنة بأرقام تشرين الأول/أكتوبر 2022. في المستقبل، ومع استمرار عدم الاستقرار الإقليمي وخطر امتداد الحرب إلى لبنان، قد يظلّ أداء القطاعين السياحي والفندقي متواضعاً. ومع أن المعارك بقيت حتى الآن محصورةً بشكل رئيسي في المناطق الحدودية، إلاّ أنها تكثفت تدريجياً وتوسّعت مع الوقت. ففي كانون الثاني/يناير، شُنّت غارة إسرائيليّة على ضواحي بيروت، في حين أصبحت الضربات في عمق المنطقة الجنوبية أكثر تواتراً.

وهذا التصعيد على الجبهة اللبنانية يثير مخاوف من نشوب حرب أوسع نطاقاً في المنطقة، ما دفع الدول مرةً أخرى إلى التحذير من السفر إلى لبنان. ومن المتوقّع أن تؤثر هذه العوامل، ولا سيّما التصعيد الكبير الذي يرافق الإعتداء على العاصمة، بصورة سلبية على السياحة في المستقبل، بحيث يتضاءل عدد زوّار البلاد الأجانب ويعدل بعض المغتربين عن زياراتهم العائلية خوفاً من تعذّر مغادرتهم لبنان أو من امتداد الأعمال الحربية إلى لبنان بأكمله.  وعلى صعيد نشاط مرفأ بيروت، فقد سجّل حجم البضائع ارتفاعاً بنسبة 6.5%، وتحديداً من4251 ألف طن في الأشهر العشرة الأولى من العام 2022 الى 4527 ألف طن في الفترة ذاتها من العام 2023.

وشهد عدد البواخر ارتفاعاً إبّان هذه الفترة ليصل إلى 1143 باخرة في الأشهر العشرة الأولى من العام 2023 مقابل 980 باخرة في الفترة ذاتها من العام 2022، أي بزيادةٍ نسبتُها 16.6% على أساس سنوي. من ناحية أخرى، سجّل عدد الحاويات تراجعاً بنسبة 4.2% (على أساس سنوي) ببلوغه 460997 حاوية في الأشهر العشرة الأولى من العام 2023، مقابل 481198 حاوية في الفترة ذاتها من العام الذي سبقه.

 القطاع الخارجي فائض في ميزان المدفوعات بقيمة 1.6 مليار دولار في الأشهر الأحد عشر الأولى من العام 2023 على الصعيد الخارجي، سجّل ميزان المدفوعات فائضاً بقيمة 1.6 مليار دولار أميركي في الأشهر الأحد عشر الأولى من السنة مقابل عجز بقيمة 3.2 مليار دولار في العام 2022 بكامله. ويعود هذا الفائض المسجّل في ميزان المدفوعات، بالرغم من تقلّص الموجودات الخارجية الصافية لمصرف لبنان بقيمة 0.9 مليار دولار، الى ازدياد الموجودات الخارجية الصافية للمصارف بقيمة 2.6 مليار دولار. غير أن ذلك لا يدلّ على فائض المُدخلات على المُخرجات، لأن السيولة بالنقد الأجنبي لدى المصارف لم ترتفع إلاّ بمقدار 0.1 مليار دولار (من 4.2 الى 4.3 مليار دولار). ونتج ذلك بخاصة عن انخفاض الإلتزامات الخارجية للمصارف بقيمة 3 مليارات دولار (من ودائع غير المقيمين بوجه خاص) جرّاء هبوط سعر الصرف الرسمي من 1507.5 ل.ل. الى 15000 ل.ل.، باعتبار أن قسماً من الالتزامات تجاه غير المقيمين هو بالليرة اللبنانية. وإذا احتسبنا ميزان المدفوعات بسعر الصرف الرسمي الثابت، يكون قد سجّل توازناً (لا فائض ولا عجز) إبّان الفترة المعنيّة. في ما يخصّ التجارة الخارجية، تبيّن آخر الأرقام المتوافرة (عن الأشهر السبعة الأولى من السنة) أن الواردات اللبنانية انخفضت بنسبة 9% مقابل تراجع الصادرات بنسبة 24% مقارنةً بالأشهر السبعة الأولى من العام 2022، ما أسفر عن تقلّص العجز الخارجي بنسبة 6% بين هاتين الفترتين. وبالتفصيل، يُظهر توزّع واردات لبنان حسب نوع المنتجات في الأشهر السبعة الأولى من العام 2023 أن المنتجات المنجمية استأثرت حصة الأسد، بحيث شكّلت 26.3% من مجموع الواردات. تلتها المجوهرات  والمعدّات والتجهيزات الكهربائية (14.5% و10.0% على التوالي).

وحلّت المنتجات الكيميائية في المركز الرابع (7.3% من المجموع) تلتها السلع الغذائية، ثم السيارات والمركبات، فالمنتجات النباتية (6.0% و5.9% و5.6% على التوالي).  ويبيّن توزّع الواردات حسب بلدان المنشأ في الفترة ذاتها أن الواردات الآتية من الصين استأثرت بحصة الأسد (12.3% من المجموع)، تلتها تلك الآتية من اليونان (10.7%) ثم من سويسرا وتركيا (10.2% و8.3% على التوالي). وحلّت ايطاليا والولايات المتحدة الأميركية بعد تركيا (5.7% و4.3% من الواردات الإجمالية للفترة المعنيّة.   في موازاة ذلك، يُظهر توزّع الصادرات اللبنانية حسب نوع المنتجات في الأشهر السبعة الأولى من العام 2023 أن الحصة الأكبر كانت من نصيب المجوهرات (22.2% من مجموع الصادرات) تلتها المعادن والمنتجات المعدنية (15.3%) ثم المعدّات والتجهيزات الكهربائية فالسلع الغذائية (13.5% و13.2% على التوالي). وحلّت بعدها المنتجات الكيميائية التي شكّلت 9.6% من الصادرات الإجمالية في الأشهر السبعة الأولى من العام 2023. ويبيّن توزّع الصادرات اللبنانية حسب أهم بلدان المقصد في الأشهر السبعة الأولى من العام 2023 أن الإمارات العربية المتحدة استأثرت بالحصة الأكبر من صادراتنا باستقطابها 20.6% من المجموع. تلتها تركيا، ثم مصر فالعراق (6.7% و5.3% و4.9% على التوالي). وحلّت بعدها سويسرا التي بلغت حصتها 4.8% من الصادرات الإجمالية للأشهر السبعة الأولى من العام 2023.

 القطاع العام موازنة 2024:

خليط من الإيجابيّات والسلبيّات تلحظ موازنة العام 2024 نفقات إجمالية بقيمة 295.1 ألف مليار ليرة لبنانية (3.3 مليار دولار) مقابل ايرادات إجمالية بقيمة 277.9 ألف مليار ليرة لبنانية (3.1 مليار دولار)، ما يخلّف عجزاً بقيمة 17.2 ألف مليار ل.ل.، أي ما يوازي 191 مليون دولار. ويتّسم مشروع الموازنة بعدد من النقاط الإيجابية وبأخرى سلبية. فعلى صعيد الإيجابيات، يمكن أن نذكر: -    إن الحكومة، التي باشرت دراسة مشروع موازنة العام 2024 المُحال اليها من وزارة المالية في بداية شهر أيلول/سبتمبر الماضي، أقرّته بسرعة ضمن المهلة الدستورية، وهذه سابقة منذ العام 2002. ثم أحيل مشروع الموازنة الى البرلمان قبل 15 يوماً من بدء دورة الخريف في منتصف تشرين الأول/أكتوبر، ما يجيز للحكومة، وفقاً للمادة 68 من الدستور، أن تصدره هي بمرسوم بدلاً من القانون في حال لم يصدّق عليه المجلس النيابي. -     تنصّ الموازنة على تعزيز نسبة تعبئة الموارد التي كانت تساوي 16% من الناتج المحلّي الإجمالي قبل الأزمة والتي تقلّصت كثيراً فيما بعد لتقتصر على 4% من الناتج في العام 2022 بسبب الهبوط الكبير لقيمة العملة بعد اندلاع الأزمة. ويشكّل تعزيز تعبئة الموارد ضرورة حيوية لتأمين التوازن المالي واستقرار المالية العامة، وهو في حدّ ذاته شرط أساسي لاستقرار سعر الصرف بمجمله.

-    إن زيادة الضرائب والرسوم في موازنة العام 2024 أملاها هبوط قيمة العملة الوطنية بنسبة 98% منذ بداية الأزمة، وارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي بنحو 60 ضعفاً، ما أدّى إلى تضخّم تراكمي بنسبة 5000% منذ بداية الأزمة، الأمر الذي يفرض مواءمةً نسبية للضرائب والرسوم من أجل دعم المرافق العامة. -    تأتي التعديلات الضريبية المقترحة في موازنة 2024 بعد مواءمة الدولار الجمركي مع سعر السوق قبل أشهر قليلة، وهو ما ساهم بحدّ ذاته في إحداث نوع من التوازن المالي وفي ودعم المالية العامة وتعزيز الاستقرار النقدي الذي شهدته البلاد في غضون الأشهر الثمانية الماضية.  ومن السلبيّات نذكر:

-  إن مشروع الموازنة يفتقر إلى رؤية اقتصادية ينبغي أن ترافقه لتوضيح استراتيجية الحكومة الرشيدة والماكرو-اقتصادية للمستقبل، والتي تندرج في إطارها الموازنة السنوية.

-  إن العجز المالي المتوقّع لعام 2024 والذي يبلغ 17 ألف مليار ليرة لبنانية (191 مليون دولار) يبدو صورياً للغاية، ما يدعو إلى التشكيك في أرقام الموازنة، خصوصاً في ضوء الإنفاق الإضافي المرتبط بالحرب.

 -  يجب أن يضمن مشروع موازنة العام 2024 توافقه مع عملية توحيد سعر الصرف التي أطلقها مصرف لبنان، وأن يتجنّب المعاملة التفضيلية لبعض المكلّفين على حساب البعض الآخر. 

- على وجه الخصوص، يقتضي إعادة النظر في المادة التي تسمح للمكلّفين بدفع ضرائبهم بواسطة حساباتهم المصرفية بالدولار المحلّي بسعر صرف يعادل 40% من سعر منصّة "صيرفة"، نظراً لكونها تطرح سعر صرف جديداً في السوق بينما المطلوب هو الحدّ من تعدّدية سعر الصرف.  - يجب أن يتضمّن مشروع موازنة العام 2024 موارد كافية لتفعيل الإدارة الضريبيّة من اجل تعزيز الامتثال وتحسين العدالة الضريبيّة.

- على الحكومة أن تحدّ من فرض رسوم بالدولار الأميركي لتجنّب ظهور طلب مفرط على الورقة الخضراء في السوق من قبل المكلّفين بغرض تسديد الضرائب. وبالأحرى، ينبغي تحصيل الضرائب بالليرة اللبنانية، وإيداع الإيرادات لدى مصرف لبنان، على أن يقوم هذا الأخير بإجراء التحويل اللازم كلّما احتاجت الحكومة إلى تسديد دفعة متوجّبة بالدولار الأميركي.

- إن رفع الضرائب بشكل عشوائي في اقتصاد منكمش يدفع الاقتصاد الحقيقي الى مزيد من التراجع. يتعيّن بالأحرى على الدولة أن تحاول تحسين الجباية واحترام الإلتزامات الضريبيّة ومكافحة التهرّب الضريبي. فعلى الدولة أن تفكّر جدّياً في معالجة العجز الكبير الناجم عن التهرّب الضريبي، والذي يقدّر بما لا يقلّ عن 10٪ من الناتج المحلّي الإجمالي اللبناني، والذي يتأتّى بشكل أساسي من ضريبة الدخل والإيرادات الجمركية وفواتير الكهرباء والرسوم العقارية، إلخ... أخيراً، لا خيار أمام الدولة سوى الحدّ من احتياجاتها التمويلية في المستقبل، خصوصاً في ضوء موقف مصرف لبنان الممتنع عن تمويل القطاع العام. ومن المفروض أن يتأتّى التصحيح المالي مستقبلاً من التقشّف في الإنفاق، ومن تحسين تعبئة الموارد، والحدّ من التهرّب الضريبي، وإصلاح قطاع الكهرباء وتحقيق تحسّن ملموس في الإدارة المالية بوجه عام. 

 الوضع النقدي:

  استقرار العملة بالرغم من الأزمة السياسية المتمادية وتداعيات الحرب منذ بداية الفصل الثاني من العام 2023، صمدت الليرة اللبنانية إزاء الدولار الأميركي في سوق الصرف الموازية بعد هبوطها الحادّ في الفصل الأول، بحيث قارب سعرها الــ 90000 ل.ل./الدولار الواحد حتى نهاية السنة، في الوقت الذي بدأ لبنان حقبة مالية ونقدية جديدة تحت مظلة الإدارة الجديدة لمصرف لبنان منذ مطلع آب 2023. وفي التفاصيل، إن سعر الصرف في السوق الموازية، والذي بلغ ذروته عند 145000 ليرة لبنانية/الدولار نحو نهاية آذار 2023، مقابل 43000 ليرة لبنانية في بداية العام، ظل يتحرك في محيط الـ90000 ليرة لبنانية منذ بداية نيسان 2023 حتى نهاية العام المنصرم. ويأتي استقرار سعر صرف الليرة إزاء الدولار في السوق الموازية بالرغم من استمرار فراغٍ دستوري متعدّد الأشكال، ومن غياب الإرادة السياسية لتنفيذ الإصلاحات الضرورية، ومن تزايد التوتّرات الجيوسياسية منذ اندلاع النزاع العسكري في قطاع غـزّة بتاريخ 7 تشرين الأول 2023. ويعكس هذا الاستقرار بنوع خاص:

(1) الدولرة الشاملة للاقتصاد، (2) إلغاء منصّة "صيرفة" وسياسة مصرف لبنان الجديدة القاضية بالإمتناع عن تمويل الحكومة، خصوصاً بالعملات الأجنبية، (3) تدفّقات نقدية مطّردة بالعملات الأجنبية مع بلوغ تحويلات العاملين في الخارج نحو 6.4 مليار دولار في العام 2023 (تمثّل 27.5% من إجمالي الناتج المحلي) حسب تقديرات البنك الدولي و(4) موسم سياحي قوي خلال الصيف وفترات العطل.  وفي الوقت نفسه، تميّز عام 2023 بانخفاض حجم النقد المتداول. ففي الواقع، تُظهر الأرقام الصادرة عن مصرف لبنان أن النقد المتداول خارج مصرف لبنان تقلّص بشكل كبير وبنحو 22.1 ألف مليار ليرة لبنانية خلال العام 2023، متراجعاً من 80.1 ألف مليار ليرة لبنانية في نهاية العام 2022 الى 58.1 ألف مليار ليرة في نهاية العام 2023. إلاّ أن الارتباط بين سعر العملات الأجنبية في السوق السوداء وحجم النقد المتداول كان على قدر من الضعف خلال العام 2023، كما يتّضح من مُعامل التحديد البالغ 13% بين هذين المتغيّرَيْن. وبالتوازي، ظلّت احتياطيّات القطع السائلة لدى مصرف لبنان آخذة في الإزدياد منذ تولّي النائب الأول لحاكم البنك المركزي منصب الحاكم بالإنابة بعد انتهاء ولاية الحاكم في 31 تموز/يوليو 2023.

وفي الواقع، تشير أحدث الإحصاءات إلى أن احتياطيّات القطع السائلة لدى مصرف لبنان ارتفعت بمقدار 748 مليون دولار منذ نهاية تموز/يوليو 2023 لتصل إلى 9.321 مليار دولار في نهاية السنة. من جهة أخرى، بلغ إجمالي اكتتابات النظام المالي في سندات الخزينة اللبنانية حوالى 18861 مليار ليرة لبنانية في العام 2023، وقد خُصّصت بكاملها لمصرف لبنان.

وبالمقارنة، تناهز قيمة الاستحقاقات 18756 مليار ليرة لبنانية، ما أسفر عن فائض أسمي بما يقارب 105 مليار ليرة لبنانية في العام 2023، مقابل عجز اسمي قدره 1773 مليار ليرة لبنانية في العام 2022. وبفعل تدخّل مصرف لبنان في السوق الأولية لسندات الخزينة، سجّلت محفظة الأوراق المالية بالليرة اللبنانية لدى مصرف لبنان نمواً بقيمة 5349 مليار ليرة في العام 2023، لتصل إلى 65983 مليار ليرة في نهاية شهر كانون الأول. ولكن في ضوء موقف مصرف لبنان القاضي بالامتناع عن تمويل القطاع العام، قــرّرت وزارة المالية في 28 كانون الأول 2023 تعليق إصدار سندات خزينة بالليرة اللبنانية أو اليوروبوندز خلال الفصل الأول من العام 2024 حتى إشعار آخر.

وهذا يعني أن وزارة المالية ستسحب من حسابها لدى مصرف لبنان لتسديد سندات الخزينة بالليرة المستحقّة في الفصل الأول من العام 2024 والبالغة 3623 مليار ليرة. أما شهادات الإيداع، فقد تقلّص إجمالي محفظتها بالليرة اللبنانية بقيمة 8138 مليار ليرة خلال الأشهر الأحد عشر الأولى من العام 2023 ليصل إلى 35009 مليار ليرة في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2023، بعد أن ظلّ مستقــراً خلال العام 2022. أخيراً، مع بداية حقبة جديدة في مصرف لبنان، يقوم الأخير حالياً بالتمهيد لإطلاق منصّة "بلومبرغ" الالكترونية، والأنظار تتّجه نحو تعاميم مصرف لبنان المقبلة، التي ستحدّد إطار المنصّة الجديدة. وتندرج هذه الخطوة في سياق الجهود المتواصلة لتعزيز الشفافية والحوكمة في اقتصاد نقدي ناشئ، وللانتقال تدريجياً إلى نظام الصرف العائم الموجَّه، مع الحفاظ في الوقت نفسه على ما تبقّى من احتياطيّات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي.

 النشاط المصرفي:

السيولة المصرفية بالنقد الأجنبي في الخارج وصلت إلى 4.3 مليارات دولار، إضافةً الى 0.8 مليار دولار من السيولة بالنقد الأجنبي في الخزائن المحلية يُظهر التحليل التراكمي للقطاع المصرفي منذ بداية الأزمة المالية في لبنان، أي بين تشرين الأول/أكتوبر 2019 وتشرين الثاني/نوفمبر 2023، الإتجاهات التالية: -    انخفاض تراكمي كبير لمجموع الودائع بقيمة 73.4 مليار دولار أميركي نتيجة عمليات سحب وسداد قروض: فقد تراجعت ودائع الزبائن من 168.4 مليار دولار في تشرين الأول 2019 الى 95.0 مليار دولار في تشرين الثاني 2023، أي بما يعادل 44%. في هذا السياق، انخفضت ودائع المقيمين بقيمة 59.0 مليار دولار أميركي فيما انخفضت ودائع غير المقيمين بقيمة 14.4 مليار دولار. وتراجعت الودائع بالعملات الأجنبية بقيمة 32.4 مليار دولار في الفترة المذكورة لتبلغ 91.3 مليار دولار بينما تراجعت الودائع بالليرة بقيمة 12.1 ألف مليار ل.ل. لتبلغ 55.3 ألف مليار ل.ل. في نهاية تشرين الثاني 2023. ومن جرّاء ذلك، ارتفعت نسبة دولرة الودائع من 73.4% في تشرين الأول 2019 الى 96.1% في تشرين الثاني 2023.

-    انخفاض تراكمي لمجموع التسليفات بقيمة 45.6 مليار دولار أميركي في إطار الجهود المبذولة لتقليص انكشاف المصارف: فالمصارف اللبنانية قلّصت انكشافها الى حدّ لافت منذ بداية الأزمة بحيث انخفضت محفظة تسليفاتها من 54.2 مليار دولار الى 8.5 مليار دولار، أي بما يعادل 84%. ويشكّل سداد القروض 62% من تقلّص الودائع. وقد تراجعت التسليفات بالنقد الأجنبي بقيمة 30.4 مليار دولار لتبلغ 7.7 مليار دولار بينما تراجعت التسليفات بالليرة اللبنانية بما يعادل 12.0 ألف مليار ل.ل لتبلغ 12.1 ألف مليار ل.ل.. ومن جرّاء ذلك، ارتفعت نسبة دولرة التسليفات من 70.4% في تشرين الأول/أكتوبر 2019 الى 90.5% في تشرين الثاني/نوفمبر 2023.

-    انخفاض تراكمي لمعدل الفوائد على الودائع بالليرة اللبنانية بمقدار 762 نقطة أساس ولمعدل الفوائد على الودائع بالدولار بمقدار 656 نقطة أساس: فمعدل الفائدة على الودائع بالليرة اللبنانية تراجع من 9.03% في نهاية تشرين الأول/أكتوبر2019 الى 1.41% في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر2023، فيما انخفض المعدل الوسطي للفوائد على الودائع بالدولار الأميركي من 6.61% الى 0.05% في الفترة ذاتها. وبلغ الفارق بين معدل الفائدة على الودائع بالدولار ومعدل ليبور لثلاثة أشهر حوالى -5.58% في تشرين الأول/أكتوبر 2023 مقابل +4.71% في تشرين الأول 2019.

-    انخفاض تراكمي لسيولة المصارف بالنقد الأجنبي في الخارج بقيمة 4.1 مليار دولار. فقد تراجعت ديون المصارف اللبنانيّة على القطاع المالي غير المقيم من 8.4 مليار دولار أميركي في نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2019 الى 4.3 مليار دولار في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2023. ونتج ذلك عن الإستخدام الكبير للسيولة الأجنبية من قبل المصارف اللبنانية لتلبية سحوبات الزبائن النقدية في بداية الأزمة، ولاحقاً عقب صدور تعميم مصرف لبنان رقم 158. إنّ الــــ 4.3 مليار دولار من السيولة بالنقد الأجنبي الموظّفة في الخارج، تُضاف 0.8 مليار دولار من السيولة النقدية المودعة في خزائن المصارف اللبنانية.  

-    انخفاض تراكمي لمحفظة سندات اليوروبوندز لدى المصارف بقيمة 12.3 مليار دولار أميركي جرّاء صافي عمليات البيع المحلّية وعمليات رصد المؤونات. فقد بلغت محفظة سندات اليوروبوندز المملوكة من المصارف اللبنانية 2.4 مليار دولار أميركي في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2023 مقابل 14.8 مليار دولار في نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2019. ونتج هذا الإنخفاض عن صافي عمليات بيع سندات اليوروبوندز بخسارة من قبل المصارف، لا سيّما خلال الأشهر الأولى للأزمة، إضافةً الى عمليات رصدٍ كبيرة للمؤونات فرضتها السلطات النقدية على محافظ سندات اليوروبوندز. 

-     انخفاض تراكمي للأموال الخاصة بقيمة 15.4 مليار دولار أميركي، وذلك بسبب صافي الخسائر التي تكبّدتها المصارف. فالأموال الخاصة للمصارف تقلّصت من 20.6 مليار دولار في نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2019 الى 5.2 مليار دولار في نهاية تشرين الثاني/نوفمير 2023، بسبب صافي خسائر المصارف إبّان هذه الفترة. وتعود الخسائر التي لحقت بالمصارف اللبنانية الى تكاليف الصرف الباهظة، والى مفاعيل الهوامش والزيادات الأجرية وازدياد الأعباء التشغيلية العائدة الى ارتفاع التضخّم، إضافةً الى المؤونات الكبيرة المرصودة تحسّباً للمخاطر السيادية ولمخاطر القطاع الخاص بوجه عام.

 سوق الأسهم والسندات:

  ارتفاع كبير في أسعار الأسهم للسنة الثالثة على التوالي، وأسعار سندات اليوروبوندز في أدنى مستوياتها في ظلّ أزمة متعدّدة الأشكال وتوتّرات جيوسياسية متزايدة استمرّت أسعار سوق الأسهم اللبنانية في تسجيل ارتفاعات كبيرة للسنة الثالثة على التوالي، وذلك خصوصاً بفضل عمليات التحوّط تجاه انهيار العملة اللبنانية في سوق الصرف السوداء وسعي المستثمرين الى تجنّب أي اقتطاع على رساميلهم، علماً أن أسعار الأسهم محرّرة بالدولار المحلي. وبالتوازي، أقفلت سندات اليوروبندز اللبنانية سنة 2023 على أسعار متدنّية قياسية في ظلّ فراغ دستوري متمادٍ، ومسار إصلاحي شائك ومخاوف من توسع نطاق الصراع العسكري بين إسرائيل وتنظيم "حماس" في المنطقة.  في التفاصيل، استفادت بورصة بيروت عام 2023 من ميل المستثمرين المتواصل الى الأسهم العقارية في إطار عمليات التحوّط ضد الأزمة وضد التضخّم الذي تضاعف ثلاث مرّات فيما سعى المتعاملون في السوق الى تجنّب هبوط قيمة استثماراتهم المالية.

وقد تمخّض ذلك عن ارتفاع مؤشّر أسعار بورصة بيروت بنسبة 41.3% عام 2023، بعد ارتفاعه بنسبة 37.2% عام 2022 وبنسبة 48.1% عام 2021.  فالتحليل المعمّق للأسهم الفردية يُبيّن أن أسعار أسهم سوليدير من فئتي " أ " و " ب " ارتفعت بنسبة 46.3% و49.0% على التوالي في العام 2023، بحيث بلغت 89.10 دولاراً  و89.95 دولاراً بالتتابع في نهاية كانون الأول/ديسمبر الفائت.

وهذا ما أوصل نسبة الأرباح التراكمية لأسهم سوليدير الى 1528% في المتوسط منذ بداية الأزمة، ذاك أن سعر تداول أسهم سوليدير "أ " و"ب"  كان 5.45 دولاراً  و5.55  دولاراً على التوالي في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019. من جهة أخرى، سجّلت الأسهم المصرفية ارتفاعاً في أسعارها بمعدل 2.5% في العام 2023. فالواقع أن أسهم "بنك عوده العادية" قادت الأسعار صعوداً في البورصة في السنة الماضية، محقّقةً ارتفاعاً كبيراً في سعرها بلغت نسبتُه 52.6% لتصل الى 2.35 دولاراً، تلتها أسهم "بنك لبنان والمهجر العادية" (+31.6%) التي ارتفع سعرها الى 3.50 دولاراً وايصالات الإيداع العمومية العائدة لبنك لبنان والمهجر (+9.1% الى 3.00 دولارات) وأسهم "بنك بيمو العادية" (+ 4.2% و 1.25 دولار). في المقابل، انخفض سعر أسهم بنك بيبلوس التفضيلية "2009" بنسبة 21.0% لتبلغ 29.99 دولاراً تلتها أسعار ايصالات الإيداع العمومية العائدة لبنك عوده (- 20.1% و1.11 دولار) ثم أسهم "بنك بيبلوس العادية" (-6.7% إلى 0.70 دولار). أما في ما يخص الأسهم الصناعية، فقد ارتفع سعر سهم شركة "الإسمنت الأبيض الاسمي" بنسبة 91.3% وسعر سهم شركة "هولسيم لبنان" بنسبة 91.9% في العام 2023 بحيث بلغ الأول 22.00 دولاراً والثاني 59.50 دولاراً في نهاية كانون الأول/ديسمبر2023. وترافقت القفزات الكبيرة في أسعار الأسهم مع تراجع تقلّبيّة الأسعار في بورصة بيروت. فهذه التقلّبية، التي تُـقاس بنسبة الفارق المعياري للأسعار/متوسط الأسعار، بلغت 8.3% في العام 2023 مقابل تقلّبيّة أعلى بكثير بلغت نسبتُها 15.0% في العام 2022.

وتجدر الإشارة الى أن الرسملة البورصيّة في سوق الأسهم اللبنانية جاءت على غـرار مكاسب الأسعار في البورصة في غياب أيّ عملية إدراج أو شطب، بحيث ارتفعت هذه الرسملة بنسبة 41.3% في العام 2023، وتحديداً من 14578 مليون دولار أميركي في نهاية كانون الأول/ديسمبر 2022 الى 20597 مليون دولار في نهاية كانون الأول/ديسمبر 2023.  وفي ما يخصّ حجم التعاملات، زادت القيمة الإجمالية لعمليات التداول في بورصة بيروت بنسبة 32.1% لتصل الى 581 مليون دولار أميركي في العام 2023، علماً أن أسهم "سوليدير" ظلّت تستأثر بحصة الأسد من حركة البورصة (95.4%) تلتها أسهم المصارف (4.3%) ثم الأسهم الصناعية (0.3%). ومن جرّاء ذلك، بلغت نسبة الدوران الإجمالي في بورصة بيروت، والتي تُقاس بقسمة حجم التبادلات على الرسملة البورصية، 2.8% في العام 2023 مقابل 3.0% في العام 2022. أما على صعيد سوق سندات اليوروبوندز، فقد ظلّت أسعار السندات السيادية اللبنانية عند أدنى مستوياتها عام 2023 بحيث أقفلت السنة على 6.00 سنتات للدولار الواحد.

ويأتي ذلك بينما البلاد غارقة في فراغ سياسي ومؤسّساتي، ووسط تحذيرات صندوق النقد الدولي من أن غياب الإرادة السياسية المحلية لبدء الإصلاحات الضرورية الملحّة سيثقل كاهل الاقتصاد اللبناني لسنوات قادمة، إضافةً إلى العمليات العسكرية المتواصلة في غــزّة والى التوتّرات على الحدود الجنوبية اللبنانية، والتي عــزّزت المخاوف من احتمال خروج الحرب بين الطرفين عن السيطرة وامتدادها إلى المنطقة.

وفي ما يتعلّق بتغييرات التصنيف، أكّدت وكالة التصنيف العالمية "موديز" في كانون الأول/ديسمبر 2023 التصنيف الائتماني لإصدارات الحكومة اللبنانية بدرجة "C" بينما غيّرت النظرة المستقبلية من "لا آفاق" إلى "مستقــرّ". وتعكس النظرة المستقبلية "المستقرة" حقيقة أن وكالة " موديز" تتوقّع أن يظلّ التصنيف بدرجة "C" في المستقبل المنظور، استناداً إلى الاحتمال الكبير بأن يتكبّد الدائنون من القطاع الخاص خسائر جسيمة، وحقيقة أن "موديز" تتوقّع استمرار البيئة الاقتصادية غير المستقرّة بسبب المأزق السياسي المتكرّر وضعف المؤسّسات.

في المستقبل، سوف تعتمد آفاق الأسواق المالية اللبنانية على التطورات الجيوسياسية الإقليمية، وعلى بدء تنفيذ الإصلاحات، وإبرام اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي وتجسيد المساعدات الدولية، وهي عوامل من شأنها أن ترسي الأساس لمفاوضات بنّاءة مع حمَلة السندات اللبنانية. الخاتمة: آفاق العام 2024 في ظل السيناريوات المختلفة المرتقبة باختصار، كان العام 2023 هو عام التقلّب في الأداء. فقد شهد الفصل الأول من العام تدهوراً حاداً في العملة الوطنية، إذ وصل سعر صرف الليرة مقابل الدولار إلى مستوى غير مسبوق هو 145000 في آذار بعد أن كان قد استهل العام بـ43000، وقد ترافق ذلك مع تداعيات سلبية كبيرة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في لبنان عموماً. أما الفصل الثاني من العام فقد سجّل تحسناً نسبياً في أوضاع القطاع الحقيقي في ظل الاستقرار النقدي واستقرار العملة، إذ ظل سعر الصرف يتحرك في محيط 90000.

أما الفصل الثالث من العام فقد اتسم بنهوض ماكرو-اقتصادي نسبي نتيجة الأداء الإيجابي اللافت للقطاع السياحي وفي ظل الاستقرار المستمر في سعر الصرف. في ما يخص الفصل الرابع من العام، فقد جاء في خضم المستجدات الأمنية على الحدود اللبنانية الجنوبية إثر اندلاع الصراع بين إسرائيل وحماس في 7 تشرين الأول، بحيث تبدّدت نسبياً في الخريف معظم المكاسب الاقتصادية التي حققتها مختلف القطاعات خلال فصل الصيف، مع العلم أنّ تداعيات الحرب لم تزعزع استقرار الليرة اللبنانية حتى الآن. عليه، من المرجّح أن يكون العام 2023 قد سجّل بشكل عام جموداً في الاقتصاد الحقيقي، حيث من المتوقع أن يكون النمو قد ناهز الصفر، في حين أن النمو الاقتصادي كان إيجابياً بعض الشيء حتى نهاية شهر أيلول. إن أبرز القطاعات التي تأثرت خلال الفصل الأخير من العام هو القطاع الثالث، أي قطاع التجارة الخدمات، ولا سيما الفنادق والمطاعم، وتأجير السيارات، وقطاع المناسبات والمؤتمرات، إلخ...

  اما بالنسبة للتوقعات للعام 2024 فهي تتمحور حول ثلاث سيناريوهات:  السيناريو الإيجابي الذي نسبة احتمال تحققه تقارب 25% والسيناريو السلبي مع احتمال تحقق بنسبة 25% ايضاً والسيناريو الوسطي مع احتمال تحقق بنسبة 50%. يعتمد السيناريو الإيجابي على نهاية للحرب المستجدة، انتخاب رئيس جمهورية قريباً، تشكيل حكومة فاعلة وكفوءة، إطلاق عجلة الإصلاحات، التوصل الى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي والحصول على مساعدات خارجية. في حال تحقق مجمل هذه الفرضيات نتوقع ان تتخطى نسبة النمو القعلي ال7%، ينخفض معدل التضخم، يستقر سعر الصرف، تعزز احتياطيات مصرف لبنان ويسجل فائض في ميزان المدفوعات بمقدار 5 مليار دولار. 

اما السيناريو السلبي فيتمحور حول توسع لدائرة الصراع على الأراضي اللبنانية، غياب الانتخابات الرئاسية وبالتالي غياب تشكيل الحكومة وغياب الإصلاح الاقتصادي وعدم الاتفاق مع صندوق النقد، ما يؤدي الى نسبة نمو سلبية في الناتج المحلي الإجمالي تقارب -20% وارتفاع نسبة التضخم الى 400% وانخفاض احتياطيات مصرف لبنان وتسجيل عجز في ميزان المدفوعات قدره ما لا يقل عن 5 مليار دولار. يبقى ان السيناريو الوسطي يفترض بقاء الصراع في الجنوب محصوراً مع المحافظة على قواعد الاشتباك انما دون انفراجات سياسية داخلية تؤدي الى الإصلاحات الاقتصادية. في ظل هذا السيناريو الوسطي قد تناهز نسبة النمو الصفر بالمئة ومعدل التضخم يقارب 100% مع انخفاض طفيف في احتياطيات مصرف لبنان وشبه توازن في ميزان المدفوعات. 

هذا ونظراً الى المفارقة الكبيرة بين السيناريوهات الثلاث نـأمل ان يستقر الوضع جنوباً ويترفع السياسيين اللبنانيين عن مصالحهم الآنية ويحدوا من التجاذبات فيما بينهم ويعززون الأرضية المشتركة ويسلكون طريق التسوية والإصلاح".


أحدث مقاطع الفيديو
مشاهدة :54164 الأربعاء ٢٥ / يناير / ٢٠٢٤
مشاهدة :51096 الأربعاء ٢٥ / يونيو / ٢٠٢٤
مشاهدة :50455 الأربعاء ٢٥ / يناير / ٢٠٢٤