Lebanon News I ليبانون تابلويد : أخبار الساعة من لبنان والعالم!


ندى كانو في مسرح المدينة: رحلة أجساد سماوية في فضاء انفجار مرفأ بيروت

تعرض ندى كانو على مسرح المدينة عملها الجديد "غبار".

الثلاثاء ٠٦ فبراير ٢٠٢٤

اخبار ليبانون تابلويد الآن عبر خدمة
اضغط هنا

أنطوان سلامه: تطل ندى كانو على مسرح "المدينة" بتعابير جسدية مختلفة عن مسارها الماضي الذي يعطي  الراقصين والراقصات مساحات أوسع على الخشبة.

يتمثّل عرضها  الجديد "غبار"(dust)  في التركيز، في الشحن، في الغوص أكثر في نقطة واحدة، جنائزية الطابع.

انفجار مرفأ بيروت هو المحور الذي تتمايل الأجساد المرهقة، في جنازات ضحاياه. لولا لمحات بصرية سريعة  عن بيروت الماضي، والغبار الليموني للانفجار ، لشعر المشاهد أنّه في جنازة ضحايا أيّ فجيعة جماعية، أو أيّ جريمة ضدّ الإنسانية، تحدث في مكان وزمان.

بهمس شفّاف قاربت ندى كانو المشهد المأساوي، هيأت له ، بإطلالة العروس بثوبها الأبيض الفضفاض ، كرمز لبيروت في زمنها الجميل، لتتصاعد من تحت الزيّ الاحتفالي ، أجساد راقصين وراقصات، اختصرت المسافة بين الفرح الهادئ والحزن العميق، حتى في هذه اللحظة التي تسبق انفجار المرفأ وتناثر غباره الكثيف، كانت العروس في حركة هادئة، وداعية على إيماءات اليدين وكأنّ الجسد الجامد يستعد لموته المرتقب.

مدخلٌ تعبيريّ هادئ يهيئ لحظة التبدلات في المدينة، في انتقالها، بصرياً، من صور الناس الى مشاهد الجثث التي تقبر نفسها بنفسها. جثث تتحرّك في قبور يعمّرها موتى فتتحوّل السوداوية الى رعشات جميلة، فلا غلوّ في تجسيد الفجيعة، بل سير في جنازة صامتة، على وقع موسيقي وضعها الملحن أنور بزري المعروف ب " أنو" بحضور ايقاعي شرقي يتداخل مع لمسات من الأنين والهمسات، وببصمة غربية في اللحن ، وكأنّ" أنو" أراد موسيقاه رمزية لبيروت الجسر بين شرق وغرب، وبين صخب ومآسي.

 يغلّف الملحّن الشاب "أنو" المسرح بغبار لا يُرى بل يُسمع في قدرة موسيقاه التصويرية الواعدة. تواكب ندى هذا التماوج الموسيقي بتعابير تتخطى الجسد الى عمقه حيث الأنين حركة تتفوّق  تعبيرا "جوانيّا" في الرقص الحديث الذي تتقنه جيدا. ولعلّ مصممة السينوغرافيا دنير خليفة سلامه، التقطت الإشارات بجعل خلفية المسرح شلالا من حرير يتساقط رقراقا من الألوان الفاتحة، في مربعات الفجيعة، من دون أن يطغى.  

هذه الخلفية الشفافة كثّفت ظلالها ندى كانو في حركة الأجساد التي ترقص دوما على قبورها وحولها وفيها، فيظهر ابتكارها في التلاحم الذي أحدثته بين الراقصين والراقصات، وبين أخشاب ترمز الى التوابيت فجعلت من التابوت شيئا يُمكن للمشاهد أن يتآلف معه، كما تآلفت معه الأجساد الراقصة في تلاعب حركيّ لا يفصل بين تعابير الجسد المنضبط والمنفلت، وبين أخشاب جامدة يحركّها تصميم الرقص لتصبح نابضة تساعد في إبراز المشهدية  التي جعل منها الراقص الشاب دانييل موسى حبالا من القلق والتوتر المبطّن...وفوق خشبات- توابيت وتحتها والى جانبها، يتنقل دانييل  بقدرات جسدية وتعبيرية قوية وشرسة ولطيفة. احتل الراقص دانييل المساحة من دون أن يلغي حضور راقصات يتناغمنّ معه في انسحاقه وتمرده وانتفاضته ورفضه الموت، خصوصا مع ماريا زغيب في التصاق متواصل وانفصال يُحدثه الحاجز الخشبيّ المتحرّك. وتحضر مايا خضر وأكسيل رزق والعروس ريا حسيني ذات التعالي المقتصد التعابير.

تبتكر ندى كانو في عملها الجديد (غبار) الحركة الدفينة، المتراصة، من دون أن  تفقد المزج بين الشعور وبين التعبير عنه جسديا بانفتاح. يتفرّد تصميمها بلعبة تبتعد من كلاسيكية  التناسق الظاهري ليصبح الجسد انعكاس الروح في لحظاتها الانطوائية والأثيرية. تتلاعب بالأجساد كطاقة تعبير محسوس. تستغل قواعد " الباليه الكلاسيكي" في تطويع الجسد في حركات مترابطة، لتجعل من هذه القواعد ، تحديثا في تحرّر الحركة الراقصة من القالب الجاهز الى متاهات واسعة ومفاجئة وصادمة خصوصا في قدرة الجسد على الالتواء والالتفاف والتمايل ،وعلى التهالك ومن ثم اليقظة والصحوة .

قد يبدو  الحديث عن عرض ندى كانو سوداويا، لكنّ ابداعها متجسّدا على المسرح، جعل فجيعة انفجار بيروت رحلة سماوية تتفجّر فيها الأجساد رقصا راقيا ومتقنا، مع تعبير مبطّن عن موقف يبرز في نهاية العرض حين تُسدل الستارة على رقصة الأحياء فوق قبور الضحايا واستسلام الميت للموت.

(هذا المقال يُنشر تزامنا مع نشره في  جريدة النهار)    


أحدث مقاطع الفيديو
مشاهدة :54177 الأربعاء ٢٥ / يناير / ٢٠٢٤
مشاهدة :51112 الأربعاء ٢٥ / يونيو / ٢٠٢٤
مشاهدة :50468 الأربعاء ٢٥ / يناير / ٢٠٢٤