يصارعُ الحيادُ من أجل البقاء على قيد الحياةِ بعدما قَلبت حربُ الجنوب موازينَه رأسًا على عقِب.
السبت ٠١ يونيو ٢٠٢٤
ماريان الخويري - بحسب القانونِ الدّوليّ العامّ، الحيادُ "نظامٌ قانونيٌّ تمتنعُ بموجبه إحدى الدّول عن الإشتراك في الحرب الّتي تنشبُ بين دولتين أو أكثر، وعن تقديم المساعدة لها أو لإحداهما." في لبنان، بدأ الحياد يشقُّ طريقه عندما تبنّت حكومةُ الإستقلال عام 1943" الحياد السّياسيّ" أي "عدم الإنحياز إلى أيّ دولةِ أجنبيّةٍ وعدم التّمييز بين دولةٍ وأخرى" في الصّراعات الإقليميّةِ والدّوليّة. وكانت الأسسُ الخارجيّة لهذا الحياد على قاعدة " مع العرب عندما يكون بينهم إجماع، وعلى الحياد عندما يقع بينهم خلاف." وسنة 1958، انهارت أسسَ هذا الحياد، حيث ارتفعت الأصواتُ الدّاعمة "للمدّ النّاصريّ" و"الجمهوريّة العربيّة المتّحدّة" فضلًا عن موالاة " حلف بغداد". انفجرت الخلافاتُ وتصاعدتِ مطالبُ" الزّعامات المُسلِمة" بتقليص صلاحيّات رئيس الجمهوريّة و"مساواة الطّوائف" في التّمثيل الحكوميّ والنّيابيّ والإداريّ. وباتت الصّراعات سيّدة الموقف في البلاد حتّى إحراز توافقٍ أميريكيّ - مِصريّ يرمي إلى " لجم التّصعيد في المنطقة". وحيال الإنقسام المسيحيّ- الإسلاميّ، تنازلت الدّولةُ اللّبنانيّة عن سيادتها وعَقدت "اتّفاقَ القاهرة" سنة 1969 الّذي سمَحَ " للمنظّمات الفلسطينيّة القيامَ بأعمالٍ عسكريّةٍ ضدّ اسرائيل من الجنوب اللّبنانيّ. واحتلّت اسرائيل جنوبَ لبنان (1978-2000) وهيمنت المنظَّمات الفلسطينيَّة "على الجزء الباقي وصولًا إلى وسط بيروت" (1969-1982). واندلعت الحرب الأهليّة (1975-1990) الّتي تبعتها اجتياجاتً سوريّة (1976-2005)، فضلًا عن نشأة "حزب الله" سنة 1981 بغية تحرير الجنوب من إسرائيل. وجرّاء هذه التّطوّرات، سيطرتِ الخلافاتُ والإنقسامات حول مسألة الحياد. وتأزمّتِ الأوضاع في البلاد بعد صدور "القرار 1559" عام 2004 واغتيال الرّئيس رفيق الحريري عام 2005 ونشوب حرب تمّوز عام 2006. وكانت "فكرةُ الحياد تعود بتعابير مختلفةٍ في خُطَب رؤساءِ الجُمهوريَّة وفي البياناتِ الوزاريَّة وفي كلِّ بيانٍ وطنيٍّ يَصدُرعن هيئة حوارٍ". وفي حَزيران 2012، إبّان عهد الرّئيس ميشال سليمان ، نشأ "إعلان بعبدا" إلّا أنّه بقي حبرًا على ورق إذ لم يطبّق عبارة "تحييدِ لبنان" الّتي نصّ عليها. وعام 2020، انقسمت وجهات النّظر بين مؤيّدٍ ومعارضٍ حول "مذكِّرة لبنان والحياد النّاشط" الّتي أعلنها البطريركُ المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي من الصّرح البطريركيّ الصيفيّ في الدّيمان. وتضمنّت هذه المذكِّرة تاريخ الحياد ومفهوم الحياد النّاشط وما "نحتاج إليه" من الأسرة العربيّة والدّوليّة، وأهميّة الحياد كمصدرٍ لإستقلال لبنان واستقراره إضافةً إلى استفادة لبنان واقتصاده من الحياد. وفي الثّامن من أكتوبر 2023، قَلبَ حزبُ الله موازينَ الحياد رأسًا على عقِب بعد إعلانه فتح الجبهة الجنوبيّة "دعمًا ومساندةً " لقطاع غزّة جرّاء الهجومِ الاسرائيليّ عليه انتقامًا من "عمليّة طوفان الأقصى" الّتي نفّذتها فصائل المقاومة الفلسطينيّة على جنوب اسرائيل في السّابع من أكتوبر2023. ومن هنا، هل يبقى حياد لبنان مطروحًا بعد انضمام الجبهة الجنوبيّة على خطّ الحرب في غزّة؟ الحياد مطروحٌ لمن ينادي على الرّغم من التّحديّات الّتي تعصفُ بالحياد في الوقت الرّاهن، إلّا أنّه ما زالَ مطروحًا والدّليلُ أنّ لقاءاتٍ كانت تعقدُ برعايةِ من البطريركيّة المارونيّة وبالتّعاون مع مؤسّسات دوليّة " لإستكمال النّقاش حول الحياد النّاشط" و"لمناقشة التّطورات الدّائرة في قطاع غزّة وعلى الجبهة الجنوبيّة ". وكان محور هذه اللّقاءات "تحييد لبنان عن الصّراعات في المنطقة من دون التّخلّي عن دعم القضيّة الفلسطينيّة"، وإعادة تبنّي" إعلان بعبدا،"وتطبيق "القرار 1701 " فضلًا عن استعادة دور الجيش اللّبنانيّ وتعزيز دور المؤسّسات الدّوليّة. وفي هذا السّياق، يجدّدُ البطريرك الرّاعي في كلّ عظةٍ له مطلبَه بالحياد. ويناشدُ الدّولة إلى " عدم الإنحياز إلى أيّ من المواقف في الأزمات الدّوليّة والإقليميّة إلّا في قضايا العرب الكبرى". وبحسب البطريرك الرّاعي، الحياد من "جوهر هويّة لبنان وليس اختراعًا بل تجربة عشناها، فهو يصرّ على ضرورة "عودة لبنان إلى حياده الإيجابيّ النّاشط وكأرضٍ للتّلاقي والحوار. وفيما يتعلّق بالجبهة الجنوبيّة، يدعو البطريرك الرّاعي إلى"اعتماد وسائل دبلوماسيّة للدّفاع عن حقّ الشّعب الفلسطينيّ وعن أيّ حقٍّ مسلوب في أيّ بلد عربيّ." فهو يرفضُ تحويل الجنوب "من أرضٍ وشعبٍ إلى ورقةٍ يستبيحها بعضهم على مذبح قضايا الآخرين وفي قواميس حروب الآخرين." وفي الإطار نفسه، يشدّدُ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على ضرورة تحييد لبنان عن حرب غزّة و"أنّ الأولويّة لدى الحكومة هي حفظ الأمن والإستقرار في جنوب لبنان، واستمرار الهدوء على الخطّ الأزرق ووقف الإنتهاكات الإسرائيليّة المستمرّة للسّيادة اللّبنانيّة." وأمّا قوى المعارضة فتصرّ على" استعادة سيادة الدّولة المخطوفة وتطالب الحكومة إلى تطبيق القرار 1701 وإصدار الأوامر فورًا لنشر الجيش اللّبنانيّ تحت خطّ الليطانيّ جنوبًا وعلى الحدود كاملة." ويصرّح رئيس التّيار الوطنيّ الحرّ جبران باسيل "أننا ضدّ وحدة السّاحات ونطالب بوقف الحرب في لبنان وبتحييد لبنان عن كلّ صراعات المنطقة وتطبيق "القرار 1701". ويؤكّد باسيل "حاجةَ تحييد لبنان عن حرب غزّة عن كل صراع لا مصلحة له فيه ولا قدرة له على تحمّلِ تبعاتِه أو انعكاساتِه، وذلك بمعزلٍ عن أن لبنان معنيٌّ مباشرةً بحلٍّ عادلٍ للقضية الفلسطينية لما له من انعكاساتٍ إيجابيةٍ عليه." ويقول رئيسُ الحزب التّقدميّ الإشتراكيّ السّابق وليد جنبلاط لصحيفة “ l’orient le jour” أنّ من حقّ "حزب الله" في هذه المرحلة، حيث هو عنصر من عناصر المنظومة الدّفاعيّة اللّبنانيّة أن يطلب الانسحاب ووقف الخروق اليوميّة للأجواء اللبنانية، حتى تنفيذ الهدنة. لكن بالطّبع كلّ هذا يجب أن يتمّ بالتّنسيق والتّخطيط مع الدولة اللبنانية". ويضيف جنبلاط "علينا فقط أن نبدأ من حيث كنا في العام 2006. بعد حرب تمّوز كان هناك أمرُ واقع وتمّ اعتماد القرار 1701، واليوم يريد الأميركيّون تطبيق هذا النصّ وانتشار الجيش في الجنوب، جيّد جدًّا ونحن نتّفق معهم في هذه النقطة." الحيادُ بحلّةٍ جديدة فرضت حربُ الجنوب واقعًا جديدًا أمام اللّبنانيّين في ظلّ تشبثّ حزب الله بعدم تحييد لبنان عن حرب غزّة لأنّه" جزءٌ من القضيّة الفلسطينيّة". وأضحى الحياد مطلبًا ضروريًّا وخصوصًا بعد تصاعد التّهديدات الإسرائيليّة بتوسيع رقعة الحرب. وفي المقابل، هناك عقباتٌ عدّة تردعُ حصول الحياد أبرزها: الشّغور الرّئاسيّ وتسلّم حكومة تصريف الأعمال زمام الأمور، والأزمة الإقتصاديّة والمعيشيّة المترديّة وتفلّت الوضع الأمنيّ في البلاد. ويؤكّدُ أصحاب الخبرة القانونيّة والدّوليّة والسّياسيّة في هذا الخصوص على أهميّةَ "تبنّي لبنان للقضيّة الفلسطينيّة"،" وأنّ الدّعوة إلى تحييد لبنان عن حرب غزّة هي أكثر واقعيّةً من المطالبة بالحياد" في الوقت الحالي. إذًا، يتحدّى الحياد شراسة الواقع، ولكن " بحلّةٍ جديدة". فالأنظارُ تتجّه نحو كيفيّة تحييد لبنان عن حرب غزّة، وتتكثّفُ المساعي الدّبلوماسيّة الأميريكيّة والفرنسيّة لإبعاد كأس الحرب وحماية سيادة لبنان وإعادة الأمان إلى الجنوب الّذي ضاق ذرعًا بالقصف الإسرائيليّ.
يتقدم الى الواجهتين اللبنانية والسورية "العسكر" في قيادة البلدين.
يتردد كثير من متضرري حرب "المساندة" في إعادة إعمار ممتلكاتهم المهدّمة نتيجة الغارات الاسرائيلية.
لا تهتم الدول الفاعلة بهوية المرشح الرئاسيّ بقدر ما تهتم بتنفيذ أجندة الامن والاصلاح.
يتقدم اسما جوزف عون وجورج خوري بورصة الأسماء المرجحة الوصول الى قصر بعبدا.
تتسارع التطورات على الساحة السياسية من أجل إنهاد الشغور الرئاسيّ في لحظة اقليمية خطيرة.
كبُرت دائرة التفاؤل بانتخاب رئيس للجمهورية في بداية العام المقبل.
يطوي لبنان صفحة من تاريخه الحديث بسقوط نظام الأسد في سوريا.
قدمت روسيا حقّ اللجوء الى بشار الأسد وعائلته.
يحضّر الرئيس نبيه بري جلسة نيابية فعلية ينتج عنها انتخاب رئيس للجمهورية يأتي في سياق المنظومة الحاكمة.
تتوعد اسرائيل بمزيد من التوحش تجاه لبنان إذا خرق حزب الله قواعد اتفاق وقف اطلاق النار.