Lebanon News I ليبانون تابلويد : أخبار الساعة من لبنان والعالم!


تفكك الطوائف في لبنان(٣): سعد الحريري ضاع وأضاع معه مرجعية السنة

بعد الموارنة والشيعة نتوقف عند السنية السياسية في لحظتها الراهنة على خلفيات تاريخية.

الأحد ٢٦ ديسمبر ٢٠٢١



اخبار ليبانون تابلويد الآن عبر خدمة
اضغط هنا

أنطوان سلامه: تعاني الطائفة السنية بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري من غياب المرجعية أو القاطرة السياسية في الساحة الوطنية والخاصة.

لا ينفصل هذا الغياب عن "السنة عالميا" بعد انهيار السلطنة العثمانية أو آخر مظهر من مظاهر الخلافة الإسلامية أو القيادة الإسلامية  التي انتقلت من الأمويين الى العباسيين مرورا بالمماليك وصولا الى السلطنة.

لم تستطع حركات بارزة في التاريخ السني فرض نفسها "مرجعيات جامعة" حتى في مواجهة الاستعمار، ففي بدايات القرن العشرين وقبله، نمت أصوليات سلفية في اطار ما يُعرف ب " الصحوة الإسلامية" أو الحركة السلفية أو الإسلام السياسي، فنشأت حركة "ديوباندي" (سيد أحمد خان-١٨١٧-١٨٩٨) وتراجعت.أسس سيد أبو الأعلى المودودي(١٩٠٣-١٩٧٩) الجماعة الإسلامية كأنموذج في العمل الإسلامي الحديث الذي تأثر به حسن البنا في إطلاقة الحركة الإسلامية الأهم وهي " الاخوان المسلمون"، من دون أن ننسى الوهابية.

كل هذه الصحوات السلفية لم تشكل مرجعية انما استلهم منها  "المجاهدون" إضافة الى ما استلهموه من نهج ابن تيمية وفكر السيد قطب، مناهج عمل في المرحلة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي ومعه اليسار، من " الأفغان العرب" الى القاعدة" تفرعا الى داعش ، لكنّ الساحة السنية العالمية بقيت تتفاعل وتُنتج اسلاما سياسيا معتدلا وراديكاليا، وتيارات سلفية "مسالمة" أي غير جهادية -تكفيرية، تنحدر من الوهابية العربية المنشأ، أو حركة جماعة التبليغ الهندية- الباكستانية الهوى...

هذا المدخل السريع يوحي بحيوية في المدى السني، يقود الى ملامسة الدائرة السنية في لبنان، التي تفردّت في تكوكبها في قاطرات قيادية من العائلات المتعددة ك آل كرامي والصلح وسلام والحريري وميقاتي...

تركت هذه العائلات بصماتها في تاريخ لبنان- الاستقلال، وحاصرت محاولات كثيرة في "أسلمة" العمل السياسي في لبنان، فلم تأخذ مكانتها محاولات سلفية، أسسها الشيخ سالم الشهال بعد محمد عمر الداعوق، أو الشيخ سعيد شعبان، أو الشيخ بدر شندر، أو د.فتحي يكن.

لم "تتسيّس" جماعة عباد عبد الرحمن (١٩٤٩)، ولا تتجذّر جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية التي أسسها عبدالله الهرري في بيروت والمدن الأخرى، مع أنّ هذه الجمعية وصلت سياسيا الى مجلس النواب مع الجماعة الإسلامية ولكن بعدد محدود وغير مؤثر.

ولم تتغلغل الحركات الجهادية في المجتمع السني اللبناني، فبرزت ومضات "تكفيرية" ما لبثت أن انطفأت كمجموعة أبو عائشة المتفرعة من "الأفغان العرب"، ونمت حركات جهادية في المخيمات الفلسطينية ك" عصبة الأنصار وجند الشام وفتح الإسلام...وهذا دليل على أنّ  الجمهور السني في لبنان له خصوصية تتفرّد في حركيته عن العالم السني، فلم يعرف لبنان كما تركيا حزب العدالة والتنمية، وجبهة الإنقاذ في الجزائر، وحزب النهضة في تونس، وحركة حماس في فلسطين، وحركات أخرى في اليمن والسودان حتى ماليزيا...

المفارقة الكبرى في الساحة السنية، والتي تحتاج الى دراسة، هي أنّ حركة "الاخوان المسلمون" التي تغلغلت في بلاد الشام، لم تتقبلها " السنية السياسية في لبنان" حتى الوهابية كحركة سلفية تخطاها سنة لبنان الى مرجعية من نوع آخر هي المملكة العربية السعودية كدولة وكمظلة سياسية، وكرمزية دينية باعتبارها موطن " الحرمين الشريفين" .

هذا لا يعني أنّ هذه السنية لا تشكل تعاطفا، في تقاطعات، مع هذه الأحزاب والجماعات والتيارات في العالم السني.

ولا يعني أنّها لا تفرز ظواهر متشددة كالشيخ أحمد الأسير الذي لمع وانطفأ.

فهل للسنية السياسية خصوصية في لبنان؟

وهل ستصمد هذه الخصوصية في مواجهة طغيان " اللون الديني" في القرن الواحد والعشرين؟

في هذه اللحظة السياسية التي تمر فيها "السنية السياسية" في لبنان يظهر واضحا تراجع العائلات السنية كمرجعيات، وهذا ما يؤكده السؤال التالي: أين هي عائلات الصلح وسلام وكرامي والحريري؟

وهل تتمخّض في أجوافها قيادات واعدة حاضرا ومستقبلا؟

نسأل عن " المرجعيات" في الساحة السنية لأنّها مهمة في دولة يرتكز نظامها الطائفي على الأعراف والتسويات والحصص والميثاقية.

يمكن الجزم، أنّ "السنية السياسية" تفتقد حاليا وفي المدى المنظور، الى قيادة- مرجعية.

ولا تصح هنا، الإشارة الى القيادة الأحادية، فخصوصية السنية السياسية اللبنانية تكمن في  تعدديتها عائليا، ومناطقيا بين بيروت وطرابلس وصيدا...

ينتقد بعض السنة رفيق الحريري على أنّه الظاهرة السنية الوحيدة والاستثنائية  التي ألغت هذه التعددية والتنوّع.

تاريخيا، وفي تعددية عائلية، برز رياض الصلح متخطيا الرئيس الماروني بشارة الخوري، في صياغته روح الميثاق الوطني في حكومته الاستقلالية الأولى، العروبي الذي واجه الفكر القومي السوري، والذي قاد الانسلاخ عن فرنسا والانفصال (الاقتصادي) عن سوريا.

سامي الصلح الذي غرّد خارج السرب السني في تحالفه مع الرئيس كميل شمعون الذي صاغ "تحالف بغداد" في وجه التمدد الناصري-العروبي.

تقي الدين الصلح "بطربوشه التركي" يتخطى ميشال شيحا  في البلاغة الميثاقية.

صائب سلام "المجاهد" في ثورة ال٥٨ يطرح معادلات التوافق والتسوية في "لا يقوم لبنان الا بجناحيه" و"لا غالب ولا مغلوب".

رشيد كرامي، السلفي النشأة، يواكب الشهابيين في ورشة المراسيم التي أسست بناء دولة.

ويخرق سليم الحص، نادي العائلات السنية الحاكمة ، كمفكر سياسي-اقتصادي، فيقود معارك " السنية السياسية" في أتون الحرب الأهلية.

هذه الحرب التي كان ضحيتها السنة تحديدا، صحيح أنّ القيادات السنية، كمرجعيات، اختارت الفلسطينيين" جيش المسلمين" لرفع الغبن عن الطائفة في زمن "الرؤساء الموارنة- الملوك"، الا أنّ هذه القيادات جرفتها التطورات، من الصراع العربي الإسرائيلي وخروج ياسر عرفات ومقاتليه من بيروت لينخرط في مسارات تناقض خطابا سنيا اعتقد أنّ العروبة العميقة تتمثّل في فتح حدود الجنوب للعمل الفدائي ولو على حساب المصلحة الوطنية ، فسقطت بيروت في يد المنحدرين من الجنوب، فلم تعد "للبيروتيين" وحدهم، حوصرت صيدا، تحولت طرابلس الى أكثر المدن المتوسطية فقرا، ودخل لبنان في الزمن السوري في ظل ايران التي تصدّر الثورة الإسلامية الى الإقليم.

في هذه التوازنات الجديدة، اضطر رفيق الحريري الى أن يدخل في تسويات "سين سين"، والمقايضة في بازار "حكم الترويكا" الذي فرضه دهاء رجلين هما: الياس الهراوي ونبيه بري.

حاول الحريري الأب أن يبني على فرضية السلام"العربي-الاسرائيلي"، دولة وعاصمة، الا أنّه خرق "دستور الطائف" ليراكم أعرافا تبتعد عن فصل السلطات، وعن صلاحيات تشكيل الحكومة التي اختزلها الوصي السوري في ادارته " لبنان- الطائف".

هذا الزمن السوري الذي سحق رفيق الحريري فجعله مؤديا لا مقررا، انسحب على وريثه سعد الحريري مع فارق بسيط وجوهري، أنّ رفيق الحريري الذي تصرّف بحكم الأمر الواقع مع الوصي السوري وامتداداته الإيرانية، لم ينفصل عن مرجعيته السياسية في المملكة العربية السعودية، في حين أنّ من ورثه، دخل في تسويات مصالح مع جبران باسيل، من دون أن يدرك تراثا سنيا في السياسة، فلا جبران باسيل من قماشة بشارة الخوري وكميل شمعون وفؤاد شهاب وشارل حلو وسليمان فرنجية، ولا الظروف تساعد في التحرك من دون مرجعية إقليمية هي السعودية.

في التسوية المحلية ،لم يرتفع مستوى التفاهم بين الحريري وباسيل(الرئيس عون) الى الحد الأدنى من تفاهم رياض الصلح مع الرئيس بشارة الخوري ببعده الواسع والعميق في التأسيس الوطني، أو في مرحلة انتقال الخيارات المارونية والسنية الى " لبنانية" خاصة تتفرّد في المحيط في اطار ديمقراطية وإن توافقية، وحداثة تنمو برغم الطائفية.

في تسوية الحريري باسيل تعددت "السلاطين"(نسبة الى السلطان سليم) وتنوعت،وحين انتهت مفاعيل هذه التسوية"المسطّحة" انهارت العلاقة بين الجانبين، في حين أنّ تسوية الصلح- الخوري بقيت في روحيتها ومضامينها الوطنية، بعد رحيل القامتين.

في الإقليم، توازنات من نوع آخر، غاب المارد العروبي الذي مثله جمال عبد الناصر في مصر، ويعيش معظم الفلسطينيين في " تطبيع" مع إسرائيل في اطار السلطة الفلسطينية أو حتى في ظل حكم حماس في غزة، ولم تعد تركيا تجسّد الخلافة الإسلامية الجامعة، ودفنت السعودية الملكين فهد وعبدالله، ومات جاك شيراك ليأتي مكانه رؤساء فرنسيون برغماتيون يدورون في فلك المصالح الأميركية.

انقلابات قاسية واكبها سعد الحريري، بعفوية لا تلامس الاحتراف: صمود النظام السوري، تبدلات واسعة في القيادة السعودية، واستمرار نمو الهلال الشيعي.

كما سحقت الحرب الأهلية القيادات السنية كمرجعيات، سحقت التطورات المحلية والإقليمية سعد الحريري.

والغريب أنّ سعد الحريري لم يحافظ، ليصمد، على "بلاط" والده رفيق الحريري، لم يمتلك رؤيوية رياض الصلح وجرأته،ولم يضع على صدره "قرنفلة" صائب سلام،ولم يحمل دفتر "حسابات الخزينة" الذي تمسك به رشيد كرامي، وأهمل قلم تقي الدين الصلح،ولم يُتقن توقيت "العناد السياسي" الذي ميّز مسار سليم الحص خصوصا في حكم "الحكومتين"...

وحين أراد الخروج عن "القاعدة السنية" لم يقرأ في تجارب سامي الصلح وأمين الحافظ وشفيق الوزان...

هل يتحمّل سعد الحريري مسؤولية غياب المرجعية في المدى السني؟

هل يتحمّل مسؤولية الضعف  السني  في صياغة " القرار" في السلطة التنفيذية؟

هل يتحمّل مسؤولية "هدر" قوته الشعبية التي جعلته "القائد" الأعلى، أو المرجعية ؟

أخطأ سعد الحريري ومعه السنة، خصوصا في عهد الرئيس ميشال عون، حين فقدوا القدرة على تحديد " الحليف" والمنافس".

عاد كتّاب السنية السياسية الى رجم " المارونية السياسية" في وقت تبدو هذه المارونية ملحقا لا قاطرة.

لم تعترف السنية السياسية بأخطائها أو بهفواتها تلطيفا.

اعتبرت نفسها أنّها لم تشارك في الحرب الأهلية وهذا غير صحيح(المرابطون – جيش لبنان العربي...).

غالت في تقديس دستور الطائف في وقت أنّ موازين القوى هي التي تحدد منهجية تطبيق الدساتير، هذا ما حصل في الوصاية السورية ، وانتقل عرفا الى زمن الثنائي الشيعي.

استسهلت التسويات من دون حسابات دقيقة تصب أولا في المصلحة الوطنية العامة، وفي مصلحة الطائفة في بلد طائفي.

ومهما طال سجل أخطاء المرجعيات السنية، الا أنّ هذه المرجعيات دفعت ثمن " أخطاء الكبار" في الإقليم، من مصر الى تركيا وصولا الى السعودية.

نعود الى المشكلة الأساس، لا مرجعية قوية في العالم السني.

لا مرجعية خارجية تحتضن سنة لبنان وتحميهم كما تفعل الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع أتباع ولي الفقيه، بمعناه الشرعي في الفقه الشيعي، فواجب الامام الشرعي، أي نائب الامام المهدي، أن يدعم ويساند طائفته في أي بقعة في العالم ويلبي حاجاتها، فهذا أمر لا اختيار.

 قد يقول قائل، إنّ تيار المستقبل بقيادة سعد الحريري، راجع الماضي، وحدد الواقع، وأطلق شعار "لبنان أولا"، هذا الشعار المهم الذي محا هفوات كثيرة منذ لبنان الاستقلال.

وقد يقول قائل، إنّ رفيق الحريري عبر بالطائفة السنية الى رحاب الوطن الأوسع بانفتاحه وتحديه، فحاور مجلس المطارنة الموارنة برئاسة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير الذي عارض الوصاية السورية، واستغل علاقاته الدولية ليحمي لبنان من العدوان الإسرائيلي قبل التحرير، وهذا صحيح.

وقد يقول قائل إنّ رفيق الحريري هادن النظام السوري الا أنّه هيأ بدمه خروج جيشه من لبنان.

وقد يقول قائل إنّ رفيق الحريري قاد أول محاولة لبناء دولة حديثة بعد الطائف.

وقد يقول قائل، إنّ استشهاده المفجع أورث باكرا سعد الحريري ثقل القيادة والمرجعية.

كلّ ما عُرض صحيح أو يحتاج الى نقاش... لكنّ الأكيد أنّ سعد الحريري ضاع وأضاع معه طائفته.

من تسوية مع التيار الوطني الحر كان ضحيتها محليا.

الى اتفاقات مخفية مع حزب الله دفع ثمنها سعوديا.

ويبقى السؤال، ماذا بعد؟

في هذه اللحظة، يمثل نجيب ميقاتي مرجعية سنية يتعامل معها الشارع السني ببرودة.

ولا يفترق ميقاتي عن الحريري طالما أنّ تسوياتهما لا تعيد " المجد الضائع" الى الطائفة " المهمّشة" أو المصابة بلعنة" الغبن" مرة جديدة.

وتضيع الطائفة السنية في قاعات الانتظار.

هل سيعود الحريري في سؤال يشبه ما كتبه العونيون مرة على جدران بيروت: " عون راجع".

فإذا عاد، سيسأله السنة عما فعله، عما أنجزه.

وإذا لم يعد فسيحملونه مسؤولية انهيار " المرجعية السياسية" للسنة.

وفي الحالتين، يبقى سعد الحريري، وإن خسر حرارة العلاقة مع قاعدته الواسعة، المرجعية التي تمثّل الأكثر.

وهناك من يقول، إن سعد الحريري قادر على استرجاع مرجعيته، بتغيير نهجه وفريقه، وتحالفاته، واتجاهاته،بعدما اختبر، وأخذ العبر، المهم أن يستعيد "بركة" مرجعيته في السعودية، في وقت يتركّز السؤال الحقيقي: ماذا تريد السعودية من السنة في لبنان؟

هل تريد أن تكون مرجعيتهم ورافعتهم، أم تريدهم واجهة صراع؟

وفي خط معاكس، ماذا يريد السنة من السعودية ؟

وهل تريد هذه السنية أن تحافظ على القاعدة الذهبية التي أرساها رياض الصلح، كمؤسس لبنان المستقل، في التوازن بين مقتضيات التعاون الوثيق مع المثلث العربي المتمثّل في السعودية ومصر والعراق وبين مقتضيات التحالف مع الموارنة في الداخل لتخفيف منسوب هواجسهم التاريخية من الذوبان في الوحدة العربية أو "سوريا الكبرى".

عربيا، أرسى الصلح خريطة طريق في رسم دقيق للعلاقة المتوازية بين الرياض والقاهرة وبغداد في مرحلة "مشاورات الوحدة العربية"(١٩٤٣) في العاصمة المصرية التي أسست لجامعة الدول العربية.

لبنانيا، عزز الصلح اتفاقه مع الموارنة الذين فكوا علاقتهم العضوية مع فرنسا، ورفضت إنجلترا حمايتهم، وارتبكوا في التقدم عربيا، وباتوا يدركون أنّ " الدولة اللبنانية" بامتيازاتهم فيها، هي الضمانة، فالتقى رياض الصلح معهم في منتصف الطريق العربي، وفي تسوية داخلية تعطيهم الاطمئنان، فبقيت هذه التسوية قائمة في العهود التي تلت الاستقلال، وإن على مضض سني يختصره مصطلح " الغبن".

في المرحلة التي قادها سعد الحريري ، ابتعدت السنية السياسية بقاطرتها عن ثوابت الصلح، فضاعت بين الجفاء السعودي، وبين التبدّل المصري في اتجاه الخليج ووادي النيل، وانضمت بغداد الى الهلال الشيعي، في حين عرفت علاقة الثنائي الماروني السني أقصى درجات انهيارها ، في خلافات  قيادتي القوات اللبنانية وتيار المستقبل، وبتفكك التسوية الهجينة بين التيارين الأزرق والبرتقالي، ولم تنفع علاقة "الشيخ سعد" مع سليمان "بك" فرنجية في ترسيخ البديل خصوصا في انغماس فرنجية في خطّه الإقليمي المعروف.

تكمن المشكلة الأساسية في القيادة الحريرية الوريثة، أنّها قفزت عاليا فوق ثوابت السنية السياسية التي تكوّنت بالأعراف والعلاقات بين السنة والموارنة، في وقت لم يكن تحالف الحريري مع جنبلاط واضحا، أو قادرا على التعويض، بحكم تداخل صلاحيات رئيسي الجمهورية والحكومة في السلطة التنفيذية، ولم ترتقي علاقة الحريري مع حزب الله وحتى مع حركة أمل بقيادة الرئيس نبيه بري، الى المستوى الاستراتيجي الذي أصبح أهم من مستوى التكتيك في صراع المحورين السعودي- الإيراني.

احتاج الحريري الى فريق من المبدعين لكي ينجو بنفسه من مأزق نسج "المرجعية " التي تتناغم مع السعودية، ولا تتصادم مع الموارنة ولا مع الشيعة والدروز، وهذا صعب ومعقّد، يحتاج الى "صبر" العابر، على ظهر جمل، في عمق الصحراء .

من يتابع كتابات صحافيين سنة في هذه المرحلة يشعر وكأنّ هؤلاء يكتبون في مرحلة ما قبل ال٧٥ .

صحيح أنّ الرئيس ميشال عون " المعادي خطا للحريرية السياسية" اختلف مع الرئيس سعد الحريري في تفسير المواد الدستورية المتعلقة بتشكيل الحكومة، الا أنّ الحريري غالى في اعتبار أنّ دور رئيس الجمهورية هو " للتوقيع فقط " في كتاب الطائف.

لم يذكّر أحدٌ سعد الحريري أنّ العلاقة بين رئيسي الجمهورية والحكومة دوما في مخاض وتجاذب وتناحر، حتى العلاقة بين الرئيسين الياس سركيس وسليم الحص عرفت تجاذبات مُنهكة، لكنّ رؤساء الحكومات السابقين، جميعهم، تدربوا على فنون تدوير الزوايا، في صراع الديوك على " المصطبة المشتركة" أي السلطة التنفيذية برأسين.

أخطأ الحريري في توقيت معركته لتثبيت أعراف مغايرة في تشكيل الحكومة.

داخليا، بلغ التحالف بين الرئيس عون وحزب الله ذروته.

وهبطت علاقة لبنان مع السعودية الى القاع في ظل موازين قوى إقليمية ترجّح التفوّق الايراني.

لم تكن المرحلة سهلة على سعد الحريري، ولن تكون مع نجيب ميقاتي، في معادلة معقدة، فالمرجعية السعودية في مرحلة من إعادة التموضع، ولا تضع المرجعيات الإسلامية الأخرى، من مصر وتركيا، لبنان وسنته، في الأولويات.

اتضح داخليا أنّ دستور الطائف لا يقدّم السكريات الكافية لانتعاش السنية السياسية.

واتضح أيضا وأيضا، أنّ من ينتصر سياسيا في لبنان هو من تحتضنه المرجعية الخارجية الأقوى...

واتضح أيضا، أنّ لحظة تكوّن جبهة "قوى الرابع عشر من آذار" كانت غالية،ونادرة،أعطت الحريري فرصة أن يكون " المرجعية الوطنية" الجامعة لخط "سيادي" يذكّر بالخط الذي نسجه رياض الصلح في ساحة الألغام الطائفية القابلة دوما للانفجار حين يفشل "المتنقّل"في التحرّك في أرجائها، فتنفجر فيه وبالوطن حين لا يمشي جيدا في الخط الارثودوكسي القويم.

           


أحدث مقاطع الفيديو
مشاهدة :53114 الجمعة ٢٢ / يناير / ٢٠٢٤
مشاهدة :50027 الجمعة ٢٢ / يونيو / ٢٠٢٤
مشاهدة :49413 الجمعة ٢٢ / يناير / ٢٠٢٤
معرض الصور