Lebanon News I ليبانون تابلويد : أخبار الساعة من لبنان والعالم!


تفكك الطوائف في لبنان: المسيحيون والخوف من "ملّة باشا" (٤)

 تتطرق الحلقة الأخيرة من سلسلة " تفكك الطوائف في لبنان" الى المسيحيين في العام ٢٠٢٤.

الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤



اخبار ليبانون تابلويد الآن عبر خدمة
اضغط هنا

  أنطوان سلامه- بعدما اتضح بانهيار نظام الأسد مستوى " التوحش" الذي مارسه الحكم العلويّ الأقلوي البعثيّ الهوى في سوريا، تستطيع الأقلية المارونية في لبنان أن تجاهر بأنّ حكم " المارونية السياسيّة" في رئاسة الجمهورية ، من العام ١٩٤٣ الى اتفاق الطائف، كان متسامحا ومنفتحا(إجمالا) اذا ما قورن أيضا بالحكم السنيّ الأقلوي البعثي في العراق وبحكم آل خليفة في مملكة البحرين ذات التقارب العدديّ بين السنة والشيعة، أو بحكم الحوثيين في صنعاء ومناطق من اليمن بما يشكلون من نسبة تمثّل ٣٥٪ كزيديين شيعة من مجموع السكان ذات الغالبية السنيّة.

يتهم معارضو "المارونية السياسية" بأنّها بنت "مزرعة" في لبنان، لكنّ هذه "المزرعة" بدولتها ونظامها وحرياتها ونهضتها المتنوعة، تحوّلت بعد الانهيار الكبير في لبنان الى ما يعتبره ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بأنّها تمثّل " الزمن الجميل" قياساً لما وصل اليه الوضع اللبنانيّ من انحدار مخيف تحت سطوة الطوائف الأخرى خصوصا في زمن الوصاية السورية وما بعدها.

من الضروريّ "تقييم المارونية السياسية" في العام ٢٠٢٤ كنموذج حكم في الشرق في عام مفصل في تاريخ الأقليات الحاكمة في دمشق وبغداد، وبقيت رئاسة الجمهورية اللبنانية للأقلية المارونية حتى إشعار آخر.

على الهامش يمكن استذكار كتاب المفكر العروبيّ منح الصلح وعنوانه " المارونية السياسية سيرة ذاتية"، يعتبر فيه أنّ هذه المارونية هي "الرائدة" و"الضمانة" "تحتمي بها الطائفيات الأخرى" وتتخذها نموذجا كما يشير اليه أيضا الدكتورأحمد بيضون في مقاربته تجربة الامام موسى الصدر في بنائه المؤسسات الشيعية، وتأثّر بهذا النموذج النهضويّ رفيق الحريري لجهة اليقظة التعليميّة.

يأتي هذا المدخل الاستعاديّ في عرض محصّلة عام عجز فيه الموارنة عن انتخاب رئيس للجمهورية بما يشير الى انّهم ليسوا القاطرة في النظام ولا المؤثر والفاعل.

قبل وصول أحمد الشرع الجولاني الى قصر الشعب في سوريا كان يمكن الحديث عن أنّ المشروع المارونيّ لدولة لبنان الكبير يجب تجديده في صيغ مغايرة لميثاق وطنيّ طوته التطورات خصوصا باستفراد حزب الله بقرار الحرب والسلم، وإمساك الرئيس نبيه بري بمفاتيح مجلس النواب، بشكل يتساوى فيه المسيحيون والمسلمون والدروز في التهميش.

انتقلت إشكالية الوجود والحضور المسيحيّ بعد قيادة الجولاني لسوريا في مرحلتها الانتقالية، الى مكان آخر، بحيث تقفز الهموم المسيحية الى ما هو أبعد من امتيازات أو سلطات أو حتى صلاحيات متراجعة في رئاسة الجمهورية، أو حتى هجرة مسيحية مخيفة تذكّر بهجرات جماعية لمسيحيي العراق وفلسطين وسوريا امتدادا الى أرمينيا في اندماج الدولة والكنيسة المسيحية منذ القرن الرابع.

يُنقل عن البطريرك الارثودوكسي يوحنا العاشر يازجي أنّ المسيحيين "ليسوا ضيوفاً في سوريا" في تعليقه غير المباشر على قيادة جبهة تحرير الشام للمرحلة الانتقالية في بلاد الشام.

ما يُقلق المسيحيين في لبنان والجوار أنّ لبنان الذي قام على أساس " ملجأ الأقليات" بعد الحرب العالمية الثانية تحوّل الى منطقة عبور مسيحيّ الى ما وراء البحار في ظلّ مؤشرات مقلقة، من خسارة الأرض بملكيتها كهوية، وبالعدد المتضائل حتى ولو أعلن رفيق الحريري نهاية " العدّ" أو  حين كان صائب سلام يستمع الى بيار الجميل يسرد مخاوف المسيحيين، أو حتى حين زار الامام موسى الصدر المناطق المسيحية النائية للطمأنة رداً على هجمات ميليشياوية، غاب الثلاثيّ سلام والصدر والحريري وغاب معهم ياسر عرفات المصرّ على البُعد الحضاريّ للقضية الفلسطينية.

تبرز حاليا نماذج من الإسلام السياسيّ السنيّ والشيعيّ في منطقة الشرق الأوسط المُحاطة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية ومشروعها في تصدير الثورة الإسلامية، وتركيا المتخليّة عملياً عن "الأتاتوركية" المدنية، وإسرائيل المندفعة الى تثبيت نهائيتها على الجثث والخراب.

يتصدّر المشهد الإقليمي الأخوان المسلمون وحماس والجهاد الإسلامي والحشد الشعبيّ والحوثيون وحزب الله الى جانب اليمين الإسرائيلي التوراتيّ، تتقاطع كلّ هذه المظاهر السياسية في مشاريع دينية، طائفية ومذهبية وعنصرية.

بعد انتشار الإسلام السياسيّ في المنطقة على أنقاض العروبة الحضارية واليسار المنقرض، تُستعاد الهواجس المسيحية الكبرى في الشرق، ولو بشكل خافت الصوت، فالتجمعاتُ المسيحية في الإقليم التي سبقت الإسلام مثل البطريركيات الملكيّة أو الارثودوكسية- البيزنطيّة والمارونية السريانية تسترجع في العام ٢٠٢٤ تلك الأسئلة الوجودية المطروحة منذ العهود الأموية والعباسية والفاطمية والأيوبية والمملوكية والعثمانية.

لا يعني هذا السرد النَعرُ في الطائفية بل هو التاريخ يقفز الى الواجهة بكل ما فيه من فتوحات وإلغاء الاختلاف أو الصَهر في نظام الملل بما فيه من "ذميّة" بإشراف من كان يُسمّى في القرن السادس عشر "ملّة باشا" .

قد يكون العام ٢٠٢٥ مدخلا لعام جديد يعتبر فيه مسيحيو لبنان والمنطقة أنّ اتفاق السوريين بكل أطيافهم على النظام الجديد يعنيهم كما يعني السوريين لأنّ في هذا النظام المُنتظر علامات توضح المستقبل الغامض لشرق تستعيد فيه الأقليات القلق والحيرة والتخوّف من شيئ ما سيحدث كما حدث في الماضي الظالم. 

            


أحدث مقاطع الفيديو
مشاهدة :54401 الأربعاء ٠١ / يناير / ٢٠٢٥
مشاهدة :51348 الأربعاء ٠١ / يونيو / ٢٠٢٥
مشاهدة :50689 الأربعاء ٠١ / يناير / ٢٠٢٥