Lebanon News I ليبانون تابلويد : أخبار الساعة من لبنان والعالم!


البلديات في مواجهة "قنبلة" النفايات: الدولة غائبة والعشوائية تسود

بين المجالس المنتخبة والنفايات المتراكمة: أزمة وطنية متفجّرة تُهدّد صحة الناس والبيئة.

الأربعاء ٢٥ يونيو ٢٠٢٥

اخبار ليبانون تابلويد الآن عبر خدمة
اضغط هنا

 جوزيه الشالوحي- ما إن انتهت الانتخابات البلدية، حتى وجدت المجالس الجديدة نفسها في مواجهة الواقع... واقعٌ قاسٍ لا يرحم، ورثته عن المجالس السابقة مع فوضى كبيرة، وملفات متراكمة، أبرزها: النفايات.

الحديث عن النفايات في لبنان لم يعد محصورًا بالبلديات فقط، بل أصبح قضية صحية، بيئية، وطنية، بل وجودية، لأن ما يحصل اليوم على الأرض لم يعد يُحتمل، والمواطن يدفع الثمن... من صحته وكرامته.

 ففي حين يُفترض أن يكون لكل بلدية أو اتحاد بلديات خطة واضحة في إدارة النفايات الصلبة، تفاجأ معظم المجالس المنتخبة بأن ما بين أيديها هو تركة ثقيلة من العشوائية، والارتجال، فيما المطامر ممتلئة، ومعامل الفرز غير كافية أو غير مؤهلة، ولا تمتلك الدولة سياسة وطنية متكاملة لتُعالج أصل المشكلة.

الفرز من المصدر: ثقافة غائبة وحلّ مُهمّش

في بعض القرى، تحاول البلديات جاهدة تطبيق سياسة "الفرز من المصدر" عبر تشجيع المواطنين على تصنيف نفاياتهم المنزلية: المواد البلاستيكية والمعادن والزجاج تُرسَل إلى معامل الفرز لإعادة التدوير. المواد العضوية تُستخدم كأسمدة طبيعية أو تُرمى في الحقول. لكن الطامة الكبرى تبقى في النفايات غير القابلة لإعادة التدوير، مثل المناديل، الفوط، وبقايا المواد الاستهلاكية المنزلية التي تلامس الإنسان بشكل مباشر.

 هذه الفئة من النفايات تُعتَبر الأخطر صحيًا وبيئيًا، لأنها إمّا تُطمر بطريقة عشوائية حتى تمتلئ المطامر، أو تُحرَق، فتُطلق السموم في الهواء، ما يؤدي إلى أمراض تنفسية خطيرة وتلوث دائم في التربة والمياه.

الطمر والحرق... كوارث موقّتة تتحوّل دائمة

في غياب أي استراتيجية مركزية من الدولة اللبنانية لإدارة ملف النفايات، تُترك البلديات لمصيرها. ومع محدودية الموارد المالية والبشرية، تلجأ معظمها إلى واحد من خيارَين:

 الطمر العشوائي، وهو الخيار الأسهل لكنه الأخطر، حيث تُردم النفايات في أراضٍ زراعية أو أحراج، دون أي معالجة بيئية، ما يؤدي إلى تسرّب العصارة إلى المياه الجوفية.

 الحرق في الهواء الطلق، ما يتسبب بارتفاع معدلات التلوّث، خصوصًا في المناطق السكنية، وينعكس مباشرة على الصحة العامة.

 والنتيجة؟ هواء مسموم، أرض ملوّثة، أطفال يمرضون، وسرطانات تتكاثر بصمت.فمَن المسؤول؟ ومن يتحمّل هذه الجريمة الجماعية البطيئة؟

 الدولة الغائبة... والمواطن الغارق

 لا يمكن تحميل البلديات وحدها مسؤولية أزمة بهذا الحجم. فالبلدية، مهما كانت فاعلة أو نزيهة، تبقى الحلقة الأضعف ما لم تُساندها الدولة عبر: خطة وطنية متكاملة لإدارة النفايات./ تجهيز معامل فرز حديثة بمواصفات بيئية./ تأمين الدعم اللوجستي والتقني للبلديات.

إصدار قرارات إلزامية لفرض الفرز من المصدر، وتحفيز القطاع الخاص على الاستثمار في التدوير.

 أما المواطن، فلا يُعفى بدوره من المسؤولية، إذ أن عدم الالتزام بالفرز المنزلي، واللامبالاة، والاستهتار برمي النفايات في غير أماكنها، يُضاعف العبء على البلديات وعلى البيئة.

شوارع غارقة بالنفايات... وصحة الناس في خطر

في مشهد يومي اعتاده اللبنانيون، تمتدّ أكياس النفايات على الأرصفة، وتفيض الحاويات في الأحياء، وتتحوّل الشوارع إلى مستنقعات تسبّب أمراضًا تنفسية وجلدية ومعوية، في ظل انعدام الرقابة الصحية والبيئية.

 ما يحصل في بعض المناطق والقرى لم يعد "أزمة"، بل فضيحة جماعية تُعبّر عن فشل كامل في التخطيط، والانهيار التام لمبدأ المسؤولية الوطنية.

 من يمتلك الحل؟ الكل...

 أمام هذا الواقع، لم يعد السؤال: "ماذا سنفعل بالنفايات؟"، بل: هل نريد فعلًا الحل؟ وهل نحن مستعدّون لتحمّل المسؤولية، كلٌّ من موقعه؟

 على المواطن أن يبدأ من بيته.

 على البلدية أن تضع خطة وتطبّقها بشفافية.

 على الدولة أن تعود من غيابها، وتعيد بناء منظومة بيئية متكاملة.

وعلى الإعلام أن يستمر في رفع الصوت، لأن ما يُدفن في الأرض، ينبت أمراضًا في أجساد أولادنا.

 لنُعلِن حال طوارئ بيئية قبل فوات الأوان، نحن اليوم لسنا بحاجة إلى بيانات ومزايدات وشعارات فارغة. نحن بحاجة إلى مواجهة حقيقية لأخطر أزمة نعيشها بعد لقمة العيش: أزمة النفايات التي تحوّلت من "مشكلة خدماتية" إلى خطر وجودي وصحي مباشر.

 فليتحمّل الجميع مسؤولياتهم./وإذا بقي كل طرف يُلقي التهمة على الآخر... فستُدفن النفايات معنا، وتُشعل ما تبقى من وطن.


أحدث مقاطع الفيديو
مشاهدة :56064 الأربعاء ٢٥ / يناير / ٢٠٢٥
مشاهدة :53068 الأربعاء ٢٥ / يونيو / ٢٠٢٥
مشاهدة :52187 الأربعاء ٢٥ / يناير / ٢٠٢٥
معرض الصور