تدخل رواية عبده وازن الجديدة "الحياة ليست رواية" سباق جائزة غونكور من باب مختلف: أدب ما بعد الحرب.
الثلاثاء ٣٠ ديسمبر ٢٠٢٥
أنطوان سلامه- لا تبتعد رواية عبده وازن الجديدة "الحياة ليست رواية" (منشورات المتوسط2025 )زمنيًا عن روايته السابقة "البيت الأزرق" (2017)، غير أنّ الأهم من التقارب الزمني هو ذلك التكامل الجوهري بين العملين، في الجوّ الذي يُجسّد عبده وازن قارئًا وكاتبًا وباحثًا عن المعنى، يعيش حياته في ظلال المكتبة أو عند طاولة الكتابة، حيث تتقاطع السيرة مع التخييل، والقراءة مع العجز، والكتابة مع الأسئلة الوجودية المبسّطة. في "البيت الأزرق"يضع وازن القارئ أمام عقدة روائيّ عاجز عن إنهاء روايته، فيخرق سيرته السردية عبر فتح ثغرات بوليسية الطابع، إذ يُحمَّل الروائي جريمة لم يقترفها. تتداخل الأزمة الكتابية هنا مع أزمات وجودية أشدّ قتامة: السجن، والانتحار بوصفه ذروة الكآبة، فالإنزواء الأخرس، وصولًا إلى الشذوذ الموصِل إلى ضياع الهوية. في هذا التشابك، يبني عبده وازن حبكة تقوم على التشويق والغرائبية، كاشفًا قدرة لافتة على تشبيك العلاقات الإنسانية ضمن تعقيدات غير طبيعية، لكنها شديدة الصدقية النفسية. وفي مناخ قريب من الكاتب بوصفه نموذجًا سرديًا، تميل روايته الجديدة " الحياة ليست رواية" إلى تمجيد القراءة بوصفها تعويضًا وجوديًا. فالقارئ هنا هو البطل، غير أنّ عجزه عن الحب الذي يريده يوازي عجز الكاتب في "البيت الأزرق" عن إكمال نصّه. العجز في العملين ليس تفصيلًا نفسيًا، بل بنية سردية، وعلامة على اختلال العلاقة بالعالم. ومن خلال اختياره شخصيات عاجزة، تكاد تُلامس حدود الواقع، يفتح عبده وازن باب الاسترسال الروائي، فيدعم نموذجه الأساسي بشخصيات تفرض حضورها بقوة داخل النص. هكذا تتحوّل شخصيتا جوسلين وجوزيف إلى محور يغطي،بل يوازي المحور الأساس في السرد، أي القارئ الأقرب إلى عبده وازن نفسه، في لعبة مرايا دقيقة بين الكاتب وشخصياته. غير أنّ اللافت في الروايتين معًا هو اختيار وازن لمكانين لبنانيين أهملهما الأدب الحديث، لأسباب تتجاوز نطاق هذا البحث. فجونية تشكّل فضاء الرواية الأولى، فيما تحتلّ "المنطقة الشرقية"من بيروت موقع الصدارة في الرواية الثانية. لا يكتب عبده وازن عن منطقة "انتصرت في الحرب"، بل عن منطقة انهزمت بتياراتها الميليشياوية المتحاربة، فيعاكس السردية الشائعة القائلة إنّ المنتصر هو من يكتب تاريخ الحروب. كُتب الكثير عن "الحياة ليست رواية"، المتقدّمة إلى جائزة غونكور، وعن فرادتها في إعادة الاعتبار إلى القارئ وتعظيم شأنه، كما كُتب عن شخصياتها بوصفها شخصيات تحرّكها الحرب، ولا سيما شخصية جوسلين. غير أنّ ما يستوجب التوقّف عنده هو السؤال الجوهري: هل يمكن إدراج رواية عبده وازن الجديدة ضمن إطار "أدب الحرب"، أي الأدب الذي يستلهم الحرب ووحشياتها؟ يبدو الجواب، تبسيطًا، أنّ عبده وازن ينتمي إلى جيل الحرب، ومع أنّه عاشها متنقّلًا بين "الغربية"(جريدة النهار في الحمرا) و"الشرقية"(بيته)، إلّا أنّ الشرقية تطغى بهواجسها ومخاوفها ومآسيها على وعيه السردي. يستدرك وازن في تعميم مظاهر الحرب وطقوسها: من الخطف على الهوية، إلى "الزحل"، والقصف العشوائي، والتهجير، فالقتل بأشكاله المختلفة، ليأخذ موقفًا انفعاليًا وإن غير خطابي من الحرب بوصفها كلًّا. وهو، في ذلك، يتحرّر من انتمائه المكاني ، لينطلق بسلاسة في عرض شريط الحرب بأسلوب غير مشحون، لكنه بالغ التعبير عن الواقع. غير أنّ إدراج "الحياة ليست رواية" في خانة أدب الحرب لا يمكن أن يتمّ وفق المعايير التقليدية التي حكمت هذا الأدب عالميًا، حيث غالبًا ما تُروى الحرب من جبهة القتال، أو عبر البطولة، أو من خلال الفظائع المباشرة. يقترب عبده وازن من الحرب من زاوية أخرى: زاوية ما بعد الصدمة، لا الحدث الوحشي ذاته، ومن أثرها البعيد في الوعي، لا من دويّها الآني. هنا يلتقي وازن مع تيار واسع في أدب الحرب العالمي، من دون أن يقع في فخّ التقليد. في هذا السياق، يمكن مقارنته بإرنست همنغواي، ولا سيما في "وداعًا للسلاح"، حيث لا تشكّل الحرب موضوعًا مباشرًا بقدر ما تكون خلفية ثقيلة تعيد تعريف الحب والعجز والانسحاب الداخلي. كما يلتقي مع فاسيلي غروسمان في "حياة ومصير"، لا في ضخامة السرد، بل في الفكرة الجوهرية: الحرب قوّة تجرّد الإنسان من أوهامه، وتضعه عاريًا أمام هشاشته الأخلاقية والنفسية. يبدو عبده وازن أقرب، من حيث الحساسية، إلى أدب ما بعد الحرب الأوروبية، حيث تتحوّل المدينة إلى ذاكرة مشروخة، وتغدو الأمكنة خزّانات للقلق لا مسارح للأحداث، وتصبح الهوية نتاج فقدان لا اكتمال. فـ"المنطقة الشرقية" في " الحياة ليست رواية" لا تُستعاد كجغرافيا عسكرية، بل كحيّز نفسي، مثقل بالانكسارات وأسئلة الانتماء والذنب والنجاة الفردية. لا يستعيد وازن الحرب كسرد ، بل كأثر متسرّب في تفاصيل الحياة اليومية، مثلاً، في القراءة، في العلاقات الناقصة، في الخوف غير المسمّى، وفي ذلك العجز المزمن عن الحب، بوصفه امتدادًا لعجز أعمق... فالحرب هنا ليست حدثًا يُروى، بل تجربة وجودية تبدأ فعلًا بعد توقف المدافع. بهذا المعنى، لا يكتب عبده وازن أدب حرب بالمعنى الصدامي، بل يكتب أدب ما بعد الحرب، أو أدب الناجين الذين لم ينتصروا. وهو، في ذلك، يبتعد عن السرديات التي تحتفي بالانتصار، أو حتى بالهزيمة البطولية، ليقدّم سردية الهامش، أولئك الذين لم تُتح لهم البطولة، ولا حتى انكسار الهزيمة. من هنا، يمكن القول إنّ " الحياة ليست رواية" تنتمي إلى "أدب ما بعد الحرب" وتنتمي إلى "أدب المقاومة" ببعده الثقافي التنويري والخلاصي ، وإلى أدب الذات المجروحة التي لا تجد ملجأها إلا في هشاشتها، ولا تجد اللغة إلا ناقصة. فالقارئ الذي يتصدّر الرواية ليس بطلًا تقليديًا، بل شاهدًا مرتبكًا، يشبه القارئ الحقيقي، ويشبه الكاتب نفسه، في بحثه الدائم عن معنى لا تمنحه الحرب، ولا تمنحه الحياة بعدها أيضا. هكذا، يكتب عبده وازن روايته كما لو أنّه يهمس لا يصرخ، ويدين الحرب من دون خطابية، واضعًا إيّاها في مكانها الحقيقي كقوة تدمير طويلة الأمد ، لا تنتهي بانتهاء المعارك بل تبدأ بعدها...
يودّع الاستاذ جوزيف أبي ضاهر السنة بحوار مع الروزنامة ومع الله.
من واشنطن إلى غزة وبيروت وطهران، يُقفل بنيامين نتنياهو عاماً حافلاً بتكريس الوقائع بالقوة ليحوّل التفوق العسكري إلى معادلة سياسية جديدة.
يواجه لبنان مخاطر عدة منها الخروج من المأزق المالي ومن الحرب الاسرائيلية.
يتوجه ليبانون تابلويد بأحر التهاني للجميع عسى الميلاد يحمل بشرى السلام .
يُطرح السؤال التالي:هل ينقذ استعجال نواف سلام الودائع أم يبدّد ما تبقّى منها؟
يتذكّر الاستاذ جوزيف أبي ضاهر الرئيس شارل حلو بحضوره الثقافي وذاكرته التي تتسّع للشعر.
يُنكر يتقدّم نزع السلاح جنوب الليطاني بهدوء، فيما تحاول الدولة تثبيت الأمر الواقع من دون صدام.
تتأرجح قراءة قانون الانتظام المالي واسترداد الودائع:بين كسر المحظور وإعادة تعريف الخسارة.
دخلت سوريا مرحلة جديدة باستهداف الأميركيين مباشرة مواقع داعش مع توقعات باستمرار العملية.
تستثمر إسرائيل الغاز جيوسياسياً في مقابل عجز لبنان عن تحويل ثروته البحرية إلى قوة اقتصادية وسياسية في شرق المتوسط المتحوّل.