Lebanon News I ليبانون تابلويد : أخبار الساعة من لبنان والعالم!


عقل عويط في «كتاب الغرفة»: العيش في عالمين

 صدر كتاب جديد لعقل عويط عنوانه "كتاب الغرفة" عن دار "هاشيت – أنطوان".

الثلاثاء ٢٣ ديسمبر ٢٠٢٥

اخبار ليبانون تابلويد الآن عبر خدمة
اضغط هنا

 أنطوان سلامه-لا يمكن مقاربة "كتاب الغرفة" لعقل عويط  إلا باستعادة بعض أطروحات كتاب La Poétique de l’espace لغاستون باشلار، بوصفه أحد النصوص المؤسسة للمدرسة الجماليّة في القرن العشرين، ذلك الفكر الذي حرّر المكان من كونه مجرّد حيّز هندسي، وحوّله إلى تجربة وجودية وشعرية، تُعاش ولا تُقاس.

غير أنّ عقل عويط لا يقترب من مكانه انطلاقاً من إيديولوجيا فلسفية أو من تصوّر وجودي مُسبق، بل ينساب عاطفياً في إعادة تشكيل ذاكرته، في مزيج دقيق من التخيّل والاندماج، بين الطمأنينة والاضطراب، فتجربته ذاتية مأهولة بالرموز والأشياء ونافذة زجاجية تنفتح على بحر ومجرّة، وفضاء داخلي يمتدّ إلى ما هو أبعد من الجدران، من دون أن يفقد حميميته.

ولفهم هذا المسار على نحوٍ أعمق، يحسن استحضار خلاصة باشلار الشهيرة: «الإنسان لا يعيش في المكان، بل يعيش مع المكان». فالمكان، عنده، ليس مجرّد عمارة، بل فضاءٌ تخييليٌّ شعري، ويذهب إلى اعتبار الخيال الشعري أسمى أشكال السكن.

هنا يلتقي عقل عويط مع باشلار — مع اختلاف الأسلوب والنوع والغاية — من دون ادّعاء أو تنظير، إذ يتعامل مع أشيائه بوصفها مأوى للروح، ويجعل من الإقامة في المكان حالةً وجوديةً تعكس معنى العيش في العالم.

لا يسعى عقل عويط، في كتابه، إلى الاصطناع الإيديولوجي ولا إلى الالتزام بخطّ تعبيري مُسبق. يكتب كما هو، ويقيم في رمزية تجعل من المكان منصّة تنفّس لا معبداً ولا "منسكة"، خارج ثنائيات المقدّس والدنيوي كما صاغها ميرسيا إلياد. يستسلم مدركاً المكان بوصفه حاملاً للمعنى، لا موضوعاً للتقديس ولا للنبذ.

وعلى خلاف كثيرين اشتغلوا على المكان من زوايا فلسفية أو أنطولوجية صارمة، يجعل عقل عويط من يوميّاته البسيطة ملاذاً للتعبير، بصدق وشفافية وحنان على الذات، وعلى العائلة والأصدقاء. يرفع تفاصيله الصغيرة إلى مقام التجربة الإنسانية: السرير، المكتبة، الموسيقى، صوت فيروز، المأدبة الجبلية، القهوة المختارة، كرة القدم، وصولاً إلى استذكارات نضالية شبابية، ومغامرات عاطفية، وانكسارات شخصية ومهنية.

كلّ ذلك يُكشف بهدوء، وكأنّه جاء بطلبٍ غير مُلحّ من امرأةٍ تحضر بين الخيال والحضور ، امرأة "المدفأة والنبيذ والجبنة الفرنسية".

وكأنّ عقل عويط كتب لها، أو من أجلها، عن فضائه الداخلي القابل دوماً لإعادة الإنتاج في لغة دفّاقة، نثرية مشحونة بالشعر، تتراكم مفرداتها داخل الحالة الواحدة، فتدور حول الذات كما في رقصة تأمّل، أو تمنح القارئ معنى العيش من خلال الأشياء الضرورية، ولكن بطريقته الخاصة.

لعلّ صعوبة مقاربة "كتاب الغرفة" تكمن في أنّه لا يقول ما يتوقّعه القارئ أو الناقد سلفًا. فالكتاب يفتح أسئلةً شغلت، طويلًا، مفكّرين وكتّابًا وشعراء في المشرق والمغرب، غير أنّ عقل عويط يشقّ لنفسه مسارًا خاصًا، تختزن فيه طاقة التعبير بوصفها تجربة شعرية داخلية وحميمة، فلا يستدعي قسوة بودلير في مخاطبة الإطار الخارجي—كالمطر مثلًا—بل يلامس أشياءه كما يلامس الفصول، وإيقاعات الطبيعة، وطقوس العيش، باعتدالٍ ووقار، من دون أن يتصادم الخارج القاسي مع الداخل المضيء، ذاك الداخل البعيد عن التخدّر.

يبقى عقل عويط في مكانه واعيًا، عقلانيًا، حتى في لحظات يأسه وسقوطه على أعتاب العدمية، من دون أن ينفذ إلى عتمتها. ودعوته الضمنية أن يُترك لشأنه، حتى وهو يفضح نفسه بثراء المفردات والاسترسال، في انسحابه وحضوره معًا داخل "كتاب الغرفة"...

يدعوك "كتاب الغرفة"  إلى قراءته بلذّة واندهاش، لما فيه من حميمية وتعابير تتفلّت من كلّ ضبط. يُقرأ لمن يعشق مكانه وانزواءه، كما يعشق عقل عويط إقامته في «عالمين»، بأسلوب أرستقراطي في بساطته، بساطة تتجاوز التخيّل لتشكّل الجوهر والأساس.

ففي مكانه، وعاداته، وطريقة عيشه، وفي انبهاره بالحياة وتفاصيلها اللذيذة، يُتوِّج نفسه بنفسه "ملكًا"… ومن "مثله" يكون في آنٍ معًا الخادمَ والملك، بلا تاج ولا حاشية… ولا مال؟


أحدث مقاطع الفيديو
مشاهدة :56916 الثلاثاء ٢٣ / يناير / ٢٠٢٥
مشاهدة :53986 الثلاثاء ٢٣ / يونيو / ٢٠٢٥
مشاهدة :53026 الثلاثاء ٢٣ / يناير / ٢٠٢٥